فاجأني شاب متحمِّس بعد إحدى الأمسيات الشعرية التي أقمتها بسؤالٍ واضح قائلاً: أين أمتنا؟ هل هنالك شيء موجود في هذا العصر يحمل اسم (الأمة الإسلامية)؟
قلت له: أنا أعرف أنَّ لسؤالك هذا مغزى أبعد من ظاهره، فماذا تريد؟
قال: كم من برنامج إذاعي وتلفازي، وكم من موقع إنترنتي، وكم من مقالٍ صحفي، وكم من كتاب صغير أو كبير وكم من شريط (كاسيت) أو فيديو، وكم وكم كلها تتحدث عن الأمة الإسلامية الكبرى أحاديث كثيرة، ولكنني لا أرى لذلك أثراً، أبحث عن أقوى الأعمال التجارية في العالم فأراها لغير أمتي وعن المصانع الضخمة والاختراعات البديعة فأراها لغير أمتي، وعن المزارع والمراكز والجامعات المتطورة شكلاً ومضموناً، والمعاهد والهيئات الخيرية الكبيرة فأراها لغير أمتي، فهل تستكثر على شاب مثلي أن يتساءل قائلاً: أين أمتنا؟
قلت له: أشكرك على هذه الصراحة، وعلى هذا الإحساس الحي، وهذا الشعور القوي، وهذه الحماسة المشتعلة، وأقول لك: إنَّ في كلامك حقاً واضحاً لا أنكره، ولكنك بالغت في التشاؤم حتى تجاوزت الحد المعقول، وخرجت عن الإطار المقبول، إنَّ أمتنا موجودة وجوداً حقيقياً قوّياً، أضعفته خلافاتها، ومخالفاتها لما أمر به ربُّها، ودعا إليه رسولها صلى الله عليه وسلم.
قال لي مقاطعاً - وتجهمه ما يزال يسيطر على ملامح وجهه - يا دكتور نحن الشباب نبحث عن الجواب الحقيقي، ولا نبحث عن كلمات التسلية والترضية، أنت تهوِّن أمراً عظيماً، وتقول عني: إنك تعظِّم أمراً هيِّناً، لقد استمعت الليلة إلى قصائدك بقلبي ومشاعري، وعشت معك تلك النداءات الملتهبة التي وجهتها إلى أمة الإسلام، وتلك الصور الشعرية التي عرضت لنا صوراً من مجاد أمتنا الماضية، وعزها القديم، لقد عشت معك كل كلمة ألقيتها، وكل بيت من الشعر أنشدته، ولكن ذلك كله - مع تقديري لك - لم يستطع أنْ يهدِّئ من روعي، وأن يجيب عن سؤالي الذي أشعر أنك قد زدته قوة وعنفواناً بما ألقيت من الشعر.
أين أمتنا؟ أسأل عنها لأنك تناديها في شعرك كثيراً (يا أمة الإسلام، يا أمتي، يا أمة القرآن، يا أمة الحق..) وأنا على يقين أنك لا تنادي مجهولاً، فأسعفني - بارك الله فيك - ودلني على هذه الأمة التي تناديها.
قلت له - وقد بدا لي أنه شاب صعب المراس - الأمة موجودة فيك وفيَّ أنا وفي كل هؤلاء المسلمين الذين تراهم في مشارق الأرض ومغاربها، الأمة موجودة في هذا القرآن الذي يُتلى، وهذه السنة النبوية الطاهرة التي تروى، وهذه الجامعات والمدارس والمعاهد التي تنتشر بين المسلمين، وهذا التاريخ العظيم الذي نقرؤه، وهذه المساجد التي يرتفع فيها صوت الأذان كل يوم خمس مرات، وتلك الكعبة المشرفة التي نرى يومياً عشرات الآلاف من الطائفين بها من الحجاج والمعتمرين، وفي هذه الأصوات الإسلامية التي تتعالى منادية بالعودة إلى منهج الله.
الأمة موجودة في عيني ذلك الطفل الفلسطيني الذي يواجه بإيمانه الأعداء، وفي وجه ذلك الطفل العراقي الذي يرفع كفه إلى الله داعياً مستنصراً.
قال لي الشاب: ما زلت يا دكتور بعيداً عما أريد.
إشارة :
أحبتي القراء، هل لديكم إجابة مقنعة عن سؤال هذا الشاب.