يأتي بيان وزارة الداخلية الذي تناقلته وسائل الإعلام السعودية قبل أيام مؤشراً مهماً للمسيرة الناجحة لسلطات الأمن السعودية، كما يؤكد دقة المتابعة والرصد على مدى السنوات الخمس الماضية، في مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، حيث أسقطت خمسة أشخاص نذروا أنفسهم لبث الدعايات المضللة عبر شبكة الإنترنت،
والتغرير بالأجيال الشابة، والتلاعب بعواطفهم الدينية، وتحريض وتسهيل خروجهم إلى مواقع الفتن.
المشهد هو نفسه يتكرر، لكنه يختلف هذه المرة في الأهداف والنوعية المرغوب تحقيقها، ووسائل تحقيقها. فبدءاً من العودة إلى فكرة استخدام الطائرات، وتفجير منشآت نفطية، ومصاف بترولية. مروراً بالقيام بهجمات انتحارية ضد شخصيات عامة، ومبايعة قادتهم تحت أستار الكعبة. وانتهاء - هذه المرة - بالتأكيد على تكنولوجيا المعلومات، وهو ما يطلق عليه (ملف الإرهاب الإلكتروني)، وهو هدف سهل يصل إلى أكبر فئة ممكنة، من خلال التخفي خلف شاشة حاسوبية، والتسمي بعدد من الكني والألقاب دون التقيد بزمان أو مكان، من أجل تمرير أجندتهم القذرة.
إن إعلان القبض على خفافيش الإنترنت الذين وصل عددهم منذ 28-5-2003م، وحتى البيان الأخير (31) متورطاً في أعمال تحريضية على شبكة الإنترنت يؤكد نجاح وتميز استراتيجية وزارة الداخلية السعودية في مكافحة الإرهاب، حتى صارت تجربتها مثار اهتمام ودراسة للعديد من الدول الأخرى التي تعاني نفس الظاهرة. ومن ذلك ما نشرته صحيفة الحياة يوم الاثنين 8-9- 1429هـ، لدراسة نشرتها الأكاديمية العسكرية الأمريكية في (ويست بوينت)، قام بها الباحث الأكاديمي (كريستوفر بوسيك) وهو مهتم منذ سنوات بالجهود السعودية لمحاربة التطرف المستشري على مواقع الإنترنت أشار إلى أن النجاح الذي حققته التجربة السعودية في مجابهة استخدام المتطرفين والتكفيريين لفضاء شبكة الإنترنت لبث سمومهم وتهديد المجتمعات يثير اهتماماً دولياً، ويمكن أن يكون درساً مفيداً للأمم والشعوب الأخرى الراغبة في لجم التشدد والمغالاة، وصون شبابها من نفوذ الجماعات المتطرفة والدعوات الفاسدة إلى جهاد لم يزكه العلماء.
لا شك أن الانتكاسات الكبرى التي تعرضت لها القاعدة في السعودية في الثلاث سنوات الأخيرة من خلال الضربات الميدانية الاستباقية، والكشف عن مخططاتها، وشل حركتها، والتضييق عليها والتي انتهجها الأمن السعودي كانت سبباً في وأد الكثير من العمليات الإرهابية، فكان خيار التواصل مع فئة معينة من الشباب، أو المتعاطفين معها عن طريق مواقع الإنترنت الجهادية، لتشكيل جبهة إعلامية مطلب مهم لتنظيم القاعدة مما يؤكد في المقابل على ضرورة الاستفادة من مواقع الإنترنت، من أجل بناء فكر معتدل في مواجهة فكر التدمير ونشر العلم، وترسيخ الوسطية، فنحن أمة أمن لا إرهاب {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
ولهذا ففي اعتقادي ان إنشاء (حملة السكينة) كوسيلة لمكافحة الإرهاب والتطرف، من خلال الشبكة العنكبوتية، وكذلك إنشاء موقع إلكتروني رسمي للفتاوى الشرعية تحت مظلة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وغيرها من المواقع الموثوقة خطوات مباركة لإتاحة المناقشة في الشبهات والرد عليها مهما بدت شاذة. وفق المنهج الرباني {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وهو ما سعت إليه عدد من الدول الأخرى، كالإمارات العربية المتحدة والكويت والجزائر والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية من إنشاء برامج وطنية ومنابر إعلامية لمكافحة التشدد على شبكة الإنترنت على غرار التجربة السعودية.
drsasq@gmail.com