للعلماء في حياة الأمة مكانة عالية كبيرة، ولقد كان سيِّد البشر صلى الله عليه وسلم هو سيِّد العلماء قديماً وحديثاً وهو إمام الأمة وقائدها وجاء أصحابه من بعده على هذه السنة؛ فالخليفة هو أكبر العلماء أو هو واحد منهم يُقرّبهم ويستشيرهم ويستنير بآرائهم.
ولما أراد أسد الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - توحيد هذا الكيان الشامخ لم تغب عن عينه هذه الحقيقة، فأمسك بيد العلماء في كل خطوة خطاها وكان العلماء نعم المعين للملك ونعم المشير ونعم الناصر ونعم المؤيِّد، وبفضل الله وتأييده وعونه ثم بجهود العلماء ونصحهم وتقريب الملك لهم قامت المملكة العربية السعودية دولة إسلامية قوية ماديا ًومعنوياً فكانت بحق قبلة المسلمين وقدوتهم أعزها الله ومكَّن لها وحماها مما ابتليت به بلاد كثيرة قريبة وبعيدة من فتن ومشكلات وتزعزع أمن.
وإذا كان بعض أبناء المملكة في العشرين سنة الماضية قد ضَلُّوا الطريق وأساءوا إلى البلاد بعد إساءتهم إلى أنفسهم فإنَّ السبب الكبير هو بُعدهم عن العلماء والحط من شأنهم وتسفيه آرائهم واتخاذ قدوات جاهلة ضالة تبعوها فضلّوا الطريق وخسروا أنفسهم وأساءوا إلى دينهم وبلادهم.
ولكي نعرف شيئاً من مكانة العلماء ودورهم عند الملك عبد العزيز - رحمه الله - نورد بعضاً مما قاله في هذا الشأن وبه يتّضح جلياً مقوم من مقومات قيام هذا الصرح الشامخ.
يقول - رحمه الله - (وأنتم أيها العلماء اذكروا أن الله سيوقفكم يوم العرض، وستسألون عمّا سئلتم عنه اليوم، وعمّا ائتمنكم عليه المسلمون، فأبدوا الحق في كل ما تُسْألون عنه، لا تبالوا بكبير ولا صغير، وبيِّنوا ما أوجب الله للرعية على الراعي، وما أوجب للراعي على الرعية في أمور الدين والدنيا.. إياكم أيّها العلماء أن تكتموا شيئاً من الحق، تبتغون بذلك مرضاة وجهي، فمن كتم أمراً يعتقد أنه يخالف الشرع فعليه من الله اللعنة، أظهروا الحق وبيِّنوه، وتكلّموا بما عندكم). انظر الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز لخير الدين الزركلي (ص115) وكتاب: الملك عبد العزيز الشخصية والقيادة تأليف إبراهيم السماري (ص123 - 124).
وكان من أهم وصايا الملك عبد العزيز لابنه سعود خليفته من بعده الوصية بالعلماء وفي ذلك يقول رحمه الله (أوصيك بعلماء المسلمين خيراً، احرص على توقيرهم، ومجالستهم وأخذ نصيحتهم، واحرص على تعليم العلم، لأنَّ الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم ومعرفة هذه العقيدة) انظر الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز (ص159).
وقد كان هذا نهج الملك عبد العزيز في حياته كلها، فكان عدد من العلماء من جلساء الملك الدائمين حضراً وسفراً فلما تولّى الملك سعود استمر على ذلك النهج الحكيم لوالده، فكان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ صديقاً للملك وجليساً ومستشاراً له في كل شأن، وسَجَّلت سيرة الملك سعود صوراً رائعة من حب الملك سعود للشيخ محمد وتقديره له والشعور الصادق الذي كان يسود بينهما رحمهما الله جميعاً.
وكان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مثالاً ناصعاً مشرقاً للإمام العالم الصادق الناصح ولذلك أحبه الملوك الثلاثة الملك عبد العزيز وسعود وفيصل رحمهم الله.
وأُثر عنه من الأقوال في دور العلماء ما يُعَدُّ منهجاً لمن بعده من كبار علماء المسلمين، فهو - رحمه الله - يقول: (بارك الله فيك تفهم أن العلم يقضي على صاحبه بواجب البيان والمناصحة والتذكير والإرشاد، قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}ومن أهم ذلك تذكير الناس بما أنعم الله عليهم به من هذه الدعوة التي قام بتجديدها ونشرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآزره ونصره على ذلك آل سعود رحمة الله على الجميع فمحا الله بها آثار الشرك من نجد وكسح بها قاذوراته وجراثيمه وكون للناس بها ولاية دينية دستورها القرآن والشرع المطهر، فالواجب علينا وعليكم المذاكرة في ذلك، وحث الناس على التمسك بهذا الدين وتعليم جاهلهم وتنبيه غافلهم). الفتاوى والرسائل: (ج13 ص204 - 405).
ومما تعتز به بلادنا ولله الحمد وجود هيئة كبار العلماء التي توليها الدولة عناية كبيرة ويحمل ولاة الأمر لأفرادها تقديراً بالغاً وحباً قوياً، وهم بذلك يسيرون على نهج والدهم رحمه الله ووفَّق أبناءه لكل خير في الدنيا والآخرة ونفع بهم وحرسهم من كل سوء ومكروه.