هل أصبحت فنادق مكة المكرمة حكراً على الأثرياء؟.. أرجو أن لا تكون كذلك؛ فالأموال الضخمة التي يضخها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلطان لتطوير ساحات الحرم، ومحيطها العمراني إنما أنفقت لتوفير الخدمات المناسبة ودعم القائم منها، والتيسير على الحجاج والمعتمرين وكل من رغب في زيارة بيت الله الحرام.. ويبدو أن ملاك الفنادق والشقق المفروشة لم يستوعبوا بعد إستراتيجية الحكومة الهادفة إلى تطوير منطقة الحرم، وأهدافها الإسلامية النبيلة ما قادهم إلى اتخاذ مواقف لا تتوافق مع التوجهات الرسمية الهادفة إلى التيسير على المسلمين ومساعدتهم في أداء عبادتهم بسهولة واطمئنان.. فنادق مكة المكرمة القريبة من الحرم تبارت في رفع أسعار الغرف والأجنحة في شهر رمضان المبارك بشكل استفزازي ينم عن استغلال تام لحاجة الحجاج والمعتمرين في الحصول على مأوى نظيف قريب من المسجد الحرام.
ذكرت بعض الأخبار الصحفية أن الغرفة الفندقية بجوار المسجد الحرام تجاوز سعرها 130 ألف ريال سعودي للعشر الأواخر من رمضان، في الوقت الذي بلغت فيه أسعار الأجنحة الفندقية ربع مليون ريال!!. أسعار لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها.. فنادق مكة وشققها المفروشة أصبحت حكراً على الأثرياء القادرين على دفع الفواتير الباهظة، ولا عزاء لمحدودي الدخل ممن تقل دخولهم السنوية عن كلفة استئجار غرفة فندقية واحدة في العشر الأواخر من رمضان.
لا اعتراض على توفير السكن المناسب للطبقة الثرية، القادرة على الدفع دون تذمر، ولكن ماذا عن محدودي الدخل، وأصحاب الدخول المتوسطة.. أليس لهم حق في استئجار غرف فنادق الخمس نجوم بأسعارها المعتادة، أو الموسمية المعقولة بعيداً عن الاستغلال الاحتكاري؟.. ألا يُفترض أن يُوفر لهم السكن الملائم، القريب من المسجد الحرام والمتوافق مع مقدرتهم المالية؟ أعتقد أن فنادق مكة المكرمة وشققها المفروشة في حاجة إلى مراقبة مباشرة، ووضع تسعيرة لا يسمح بتجاوزها بأي حال من الأحوال.. لا يمكن ترك سقف الأسعار مفتوحاً في أوقات المواسم بل يجب أن يكون هناك سقف أعلى لا يحق لملاك الفنادق والشقق المفروشة تجاوزه مهما كانت الظروف.. الأسعار الفاحشة، وغير المقبولة، يمكن أن تعكس صورة سلبية عن المملكة في الخارج.. ما يحدث من فنادق مكة وشققها المفروشة ما هو إلا نوع من أنواع الاحتكار والاستغلال في آن، وكلاهما محرم شرعاً، وحرمته في الحرم المكي الشريف، وفي رمضان المبارك أشد وأعظم.
ضواحي الحجاج والمعتمرين
كلما اتسعت ساحات المسجد الحرام الخارجية كان ذلك أدعى لسلامة الحجاج والمعتمرين، والتيسير عليهم، وإعانتهم على أداء نسكهم بيسر وسهولة إلا أن زيادة ساحات الحرم الخارجية تؤدي إلى تناقص الوحدات السكنية والغرف المخصصة لإيواء الحجاج والمعتمرين ما يؤثر سلباً على حجم الغرف والشقق المتاحة ويؤدي إلى رفع الأسعار ما يجعلنا نبحث عن بدائل مناسبة يمكن أن تساعدنا في معالجة بعض المشكلات.. أعتقد أنه من الأفضل أن تكون لدينا ضواحٍ للحجاج ترتبط بمنطقة المسجد الحرام بقطارات معلقة أو تحت الأرض.. تُبنى هذه الضواحي متكاملة التجهيز في المواقع غير المطورة حالياً، أو الأحياء العشوائية، أو الأحياء القديمة وفي جهات مختلفة من مكة المكرمة، بما يجعلها أكثر أمناً وسلامة، وكفاءة لإيواء الحجاج والمعتمرين والزائرين؛ إضافة إلى سهولة الانتقال منها بواسطة القطارات إلى المسجد الحرام بكل يسر وسهولة.. قطعاً لا أتحدث عن مدن موسمية (ضواحٍ) بل مدن متكاملة تتصف بالحيوية والنشاط طول العام، تتميز بتوفر الفنادق والشقق المفروشة بأسعار مناسبة لجميع الطبقات وتحقق في الوقت نفسه سهولة الوصول إلى المسجد الحرام، وتحقق هدف تنمية أحياء مكة المكرمة وتطوير بنيتها التحتية، وتساعد في توفير الأمن والسلامة والقضاء على ظاهرة التخلف التي تعاني منها أحياء مكة الفقيرة والعشوائية.
مشروعات جبل عمر والمشروعات الأخرى لن تكون كافية لمواجهة الأعداد الكبيرة للحجاج والمعتمرين، ولعل الأعوام القادمة تشهد تضاعفاً للأعداد الحالية ما يفرض علينا العمل على إيجاد الحلول المناسبة لأزمة الإيواء المستقبلية.
عمرة اليوم الواحد
كثير من المعتمرين يودون قضاء عمرتهم والعودة إلى مدنهم في يوم واحد تجاوزاً لأزمة حجوزات الفنادق، أو أسعارها، أو فرضها استئجار العشر الأواخر كاملة بغض النظر عن حاجة المعتمرين، أو ابتعاداً عن الزحمة التي لا تساعدهم في أداء صلواتهم بروحانية وخشوع، إلا أنهم يصطدمون بأزمة الحجوزات ومحدودية الرحلات الجوية.. زيادة عدد الرحلات بين مطارات المملكة المختلفة وجدة والطائف، وفتح الباب أما الخطوط الأخرى لتسيير رحلات داخلية موسمية يمكن أن يساعد في حل أزمتي تكدس المعتمرين، وندرة السكن المناسب، ويساعد في تحقيق هدف (عمرة اليوم الواحد) التي ربما ساعدت في التخفيف من تكدس المعتمرين في شهر رمضان المبارك.
رحمة الرسول الأمين
عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً، ودخل المسجد الحرام، أتى أبو بكر بأبيه إلى النبي الكريم، ليبايع ويسلم.. فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه)، قال أبو بكر رضي الله عنه: (هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه)!! فأجلسه الرسول الكريم بين يديه، وأكرمه، ثم مسح على صدره، وقال: (أسلم) فأسلم... قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).. الرحمة واللين والعفو من صفات الأنبياء والأتقياء، وكرام النبلاء.
*f.albuainain@hotmail.com