Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/09/2008 G Issue 13141
السبت 20 رمضان 1429   العدد  13141
الإرهاب استغلال لجهالة وغفلة الشباب
د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم

المعلومات التي أوردتها القناة السعودية حول استغلال المتطرفين والتكفيريين لبعض من الشباب في التجمعات الشبابية الصيفية أو المدرسية تؤكد مرة أخرى على ضرورة تحصين عقول الشباب بأمصال من المعلومات الدينية والوطنية الوافية والصحيحة تمكنهم من مقاومة محاولات غسيل العقول والاستلاب الفكري. فهذا العصر وإن كان عصرا منفتحا بتوافر المعلومات بكثرة، إلا أن سهولة الاتصالات ودقتها وكثافتها سلاح ذو حدين إن لم تكن عقول الشباب واعية ومحصنة ومدركة لحقائق الأمور بعواهنها وتقلباتها.

نضع هذه الحقيقة أمام أعيننا ومعها تساؤل كبير حول مسببات عودة أيمن الظواهري للظهور في وسائل الإعلام الإليكترونية أو غيرها موجها أو ملمحا برسائل إليكترونية أو رسائل مشفرة دائما ما يتمخض بعد منها عمليات عنف وإرهاب. هذا ما اتضحت حقيقته بعد أن هدد أمن واستقرار شعب الباكستان المسلم، وبعد أن اتهم تنظيم طالبان بالتحالف والتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية. هذا الشكل من أشكال الخطاب المتطرف يعكس بكل وضوح مساعي تنظيم القاعدة اليائسة للمضي قدما في انتهاك حقوق المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها.

الحقائق تؤكد بلك أسف بأنه لم تمض أكثر من عدة أيام على كل ظهور شفهي أو إليكتروني لأيمن الظواهري حتى تهز انفجارات شديدة العالم الإسلامي والعربي معظمها في دولة الباكستان عادة ما تتبعها عمليات انتحارية دموية. أضف إلى ذلك انفجار حافلة نقل في مدينة طرابلس في لبنان قتل جراءها أكثر من اثني عشر إنسانا، وجرح أعداد آخرين، تلا ذلك الاقتتال في طرابلس وعملية اغتيال في بيروت.

في الجنوب من المملكة يتواصل مسلسل العنف في اليمن، الصراع بين قوات أمن الدولة وجماعة الحوثي ومن في صفوفهم من عناصر تنظيم القاعدة، عمليات تفجير، محاولة تفجير السفارة الأمريكية في صنعاء. ليمعن العنف هذا في إضعاف المواطن اليمني، وليعصف بمنجزاته وبمسيرته التنموية.

في المملكة تواصل مؤسسات وأجهزة الدولة مساعيها وجهودها الحثيثة لوقف تحركات تنظيمات الإرهاب وعناصره الميدانية من الوصول إلى العقول الوطنية الشابة خصوصا بعد أن ألقت القبض على 512 شخصا مشبوها بارتباطهم بالتنظيم واستعدادهم لتنفيذ عمليات إرهابية تهدد أمن واستقرار المملكة التي تعتبر قلب العالم الإسلامي والعالم الاقتصادي. من هؤلاء ظهر أبو عزام الأنصاري وأم أسامة ومن في حكمهم ممن خدعوا بفكر التطرف على شاشات التلفاز يتحدثون بأسف عما كانوا يرمون افتعاله في ربوع هذا الوطن الغالي المعطاء.

هدف المملكة ليس القضاء على تنظيمات وعناصر التطرف والإرهاب وحسب، وإنما القضاء على ايديولوجيته الخطيرة ومنطقه العقيم وعقليته المظلمة، وتجفيف مصادر دعمه المادي، والأهم من ذلك كله القضاء على آلته الإعلامية الإليكترونية الخطيرة التي تعكف على تضليل الشباب وتشجيعهم على الانحراف بشحن عقولهم وتعبئة نفوسهم بالغضب والحقد والكراهية لتعبئتهم واستلاب عقولهم ومن ثم لتوجيههم كوسائل دمار تسفك دمائهم وتدمر نفوس آبائهم وأمهاتهم.

صحيح أن من ظهر على التلفاز، ومن عرضت حقائقهم بدقة جريدة (الجزيرة) في حلقات متتالية أقروا بذنوبهم واعترفوا بأخطائهم، وأكدوا بأنهم ضلوا الطريق بعد أن ضللوا بوسائل البغي وأدوات التحريض الفكري المقيتة. وصحيح أيضا أنهم أكدوا لمن رآهم وسمعهم وقرأ عنهم بأنهم كانوا على خطأ وسلكوا دروب البغي والعدوان والضلال... لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن منع وقوع المزيد من الأبرياء في شراك تنظيم القاعدة الذي يسعى لاختراق العقول والنفوس الضعيفة بعلمها وفقهها أو الجاهلة بدينها أو المريضة بأمراض التطرف والتعصب والغلو؟

الإجابة على هذا السؤال بدأت منذ سنوات في المملكة بأدوات المناصحة ووسائل التوعية الوطنية التي تتطلب تضافر وتعاون الجميع من أساتذة المدارس، وأساتذة الجامعات، وإلى أئمة المساجد، وإلى جميع وسائل الإعلام المرئية والمقرؤة والمسموعة. نعم لقد بدأت الحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف والغلو والتعصب منذ سنوات، لكن يجب ألا تقف عند حد معين، أو أن تتقيد بمنظور محدد أو بمساحة معينة. إذ يجب أن تتواصل الحملة بكل قوة وحيوية لأنها الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية أمن الوطن من الداخل لتستخدم كترياق مضاد يشفي النفوس ويوعيها ويحصنها وينمي قدراتها الذاتية على مواجهة خطاب التجييش والتحريض الذي ينهجه تنظيم القاعدة.

نحن في حاجة إلى ايصال المعلومات الدينية والوطنية الصحيحة لعقول جميع المواطنين والقادمين والوافدين والعاملين في المملكة. فقصة حسين الأحمد المواطن الكويتي الذي كان يعمل في مجال الفن ومن ثم عملية تأثره بخطاب طالبان في الباكستان وضياعه، ومن ثم كيف عاش واقعا إنسانيا تستخدم فيه المخدرات ومعبأ بفتاوى سفك الدماء، يجب أن تصل إلى مسامع جميع أفراد الشعب السعودي ومن يعمل معهم من جميع جنسيات العالم العربي والإسلامي.

وما رواه أبو إسلام العراقي الكويتي الجنسية وأحد الإعلاميين المتعاطفين مع تنظيم القاعدة، من محاولات تنظيم القاعدة لخدع الشباب الكويتي الذين يعانون من المثالية المفرطة والأحلام الوردية، بتجنيدهم ووضعهم في معسكرات تدريب وغسل أدمغة، ومن ثم دفعهم لإزهاق أرواحهم بارتكاب عمليات إرهابية في العراق وغيرها من الأمصار العربية والإسلامية. هذه الحقائق التي اتضحت معالمها بجلاء يجب أن تكون من ضمن سلاسل الحقائق الدامغة التي تصل إلى عقول الشباب العربي والإسلامي في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

الهدف الوطني سام ونبيل، والوسائل الوطنية سامية ونبيلة، وهنا يكمن الفرق، فشتان بين من يسعى للتوعية الدينية والإنسانية الصحيحة من أجل الحفاظ على أمن واستقرار الوطن والعالمين العربي والإسلامي، ومن يسعى لتدمير المكتسبات والمنجزات الوطنية والعربية والإسلامية، ويروم تهديد الأمن والاستقرار العربي والإسلامي، ويحرص على إهدار الموارد والثروات والخيرات الوطنية والعربية والإسلامية.



drwahid@email.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد