Al Jazirah NewsPaper Saturday  20/09/2008 G Issue 13141
السبت 20 رمضان 1429   العدد  13141
مهندسات تحت الطلب
د. فوزية البكر

في قرار طريف وجريء فعلاً من مؤسسة هي الرمز الأعمق للتريث والتحفظ قررت وزارة التربية والتعليم وكما أشارت الصحف المحلية قبل فترة الطلب من ديوان الخدمة المدنية إقرار وظائف مهندسات كهرباء وصيانة في مدارس البنات ليتمكن الطاقم النسائي من الدخول إلى مدارس البنات وإنجاز العمل في أي وقت خلال الدوام الرسمي للمدارس والمؤسسات النسائية التابعة لها.

ومن يعمل في القطاع النسائي يدرك حجم أهمية قرار ضئيل وبسيط وعابر بالنسبة للبعض لكنه جوهري جداً لمن يعمل في هذه المؤسسات المعزولة وكم هي المرات التي لا يمكن إرسال فاكس لأن الجهاز متعطل والموظفة لا تعرف كيف تبرمجه وكم من مرة يؤجل امتحان لأن آلات التصوير قد انتابها ما ينتاب هذه الأجهزة من أعطاب سريعة وبسيطة لكن لا موظفة أو مهندسة متخصصة في الكهرباء أو الأجهزة الإلكترونية أو السمعية متوفرة لتتمكن من إصلاح أعطال سريعة وبسيطة وكم من مؤتمر اضطررنا فيه للتنازل عن عروض الباور بوينت أو خلافه لأن الجهاز قرر فجأة أن لا يعمل ولا أحد في الطاقم الإداري النسائي المحيط بنا يمتلك من المهارة ما يتيح له علاج المسألة وكم هي الأجهزة الحديثة التي دفع فيها مئات الآلاف من الريالات وها هي تئن تحت غبار المستودعات لأن لا أحد يمتلك المهارة التقنية اللازمة للتعامل معها ومع مشكلاتها الاعتيادية هذا دون الإشارة للدائرة الإدارية والبيروقراطية الرهيبة التي يجب أن تمر بها معاملة لتذهب لقسم الرجال وتصل للإدارة المطلوبة ويتم التعميد ثم ترتيب دخول الطواقم الرجالية من الفنيين بعد نهاية العمل في الأقسام النسائية والذين لا يجدون أمامهم من يشرح لهم المشكلة من أساسها فيصلحون ما يظنون أنه المشكلة لنبدأ دورة جديدة من الإفهام والشرح وهكذا ووسط دوامة من التفاصيل الصغيرة المملة يمكن لإدارات بكاملها أن تتعطل أو يتوقف الماء أو الكهرباء وما إليه من احتياجات يومية تنتاب أي مؤسسة وأي مبنى وكان يمكن ودون الدخول في بيروقراطية العلاقة بين الرجال والمؤسسات النسائية حلها بسرعة لكن عدم إتاحة هذا النوع من التخصصات داخل المؤسسات العلمية والجامعات والمعاهد ما فوق الثانوية للنساء السعوديات غيب هذا التخصص وغيب تعلم هذه المهارات التي ويا للهول قد اكتشفنا فجأة أننا ومن ناحية عملية جداً بحاجة ماسة إليها داخل مؤسساتنا النسائية!!

المدهش أنه ومنذ صدور خطة التنمية السابعة (2000-2005) والمخططون يشيرون بشكل واضح إلى اختلال التوازن في مخرجات التعليم ما بين التخصصات العلمية والمهنية وما بين التخصصات النظرية حيث ثلثي الطلاب والطالبات يدرسون في التخصصات النظرية وجاءت خطة التنمية الثامنة (2005-2010) لتشير صراحة إلى اختلال هيكلة التعليم النسائي ووصوله إلى عنق الزجاجة حيث زجت الرئاسة العامة للبنات بأكثر من 80% من خريجات الثانوية في مجال الدراسات التربوية عبر كليات التربية وكليات إعداد المعلمات والأقسام التربوية في الجامعات كما تبنت الخدمة المدنية نفسها اتجاهات تفضيلية في الوظيفة لخريجات القطاعات التربوية في كليات البنات وهو ما شجع الفتيات وأهاليهن للدخول في الدراسات التربوية والأدبية والحذر من الدراسات الخارجة عن الخط التقليدي الذي تبنته الرئاسة لتدريب وإعداد المرأة لسوق العمل مثل الدراسات الإدارية أو المالية أو الزراعية أو التكنولوجية مع انعدام وجود تخصصات مهنية ذات علاقة باحتياجات سوق العمل في المعاهد الفنية التي افتتحت تحت فلسفة الخياطة والتدبير المنزلي حتى قبل عامين حيث تم البدء في مشروعات طموحة عبر الكليات التقنية للفتيات في كافة المناطق، وقد أشارت الخطة الثامنة بصراحة غير معهودة في التقارير الحكومية عادة إلى تشبع مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص من خريجات التخصصات التربوية ونادت بضرورة سرعة هيكلة تعليم المرأة في المملكة ليكون قادراً على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يفرضها سوق العمل في القرن الواحد والعشرين.

حال المطالبة بإيجاد مهندسات كهرباء وصيانة يشبه قصة اقتحام المرأة السعودية المتعسر لمجالات عمل جديدة. فلا أحد عبر التاريخ الحديث في ظني مر بما مرت وتمر به المرأة السعودية من شد وجذب وتدخل لكل الأطراف المعنية وغير المعنية في طبيعة الوظائف التي يحق للمرأة الالتحاق بها وهكذا وبناء على رؤى تغلفها الأيدلوجية قبل التنمية أو حق المرأة الإنسان في عيش كريم تم حشر نساء هذا الوطن في مجالات محدودة حققن فيها تقدماً ملحوظاً لكنها فاضت بمئات الآلاف من الفتيات اللاتي يخرجهن هذا الوطن كل عام وهكذا بدأت قوافل البطالة والانتظار للوظيفة الحكومية تمتلئ بالخريجات اللاتي وجدن أنفسهن أسرى للا جدوى واللا هدف بعد سنوات طويلة من التعليم والجهد سواء تعلق الأمر بتخصصات علمية أو أدبية أو تربوية هذا عدا عن مئات الآلاف من خريجات الثانوية اللاتي لم يجدن مقعداً في الجامعة أو أقعدتهن ظروفهن المعيشية أو الجغرافية عن الالتحاق ببرامج التعليم الجامعي فحكم عليهن العيش ضمن دائرة الفقر والعوز إلا من رحم ربي بعائلة ميسورة أو زوج كريم.

من يري طوابير طالبات الوظائف أين كان مستوى دخل هذه الوظيفة و(ركضة الناس) لاقتناص أية فرصة متاحة يعرف أن الإنسان رجلاً كان أو امرأة بحاجة أولاً وقبل كل شيء إلى من يضمن له عيشاً كريماً يحفظ حقه الإنساني من الهدر... والتعليم هو المفتاح السحري لضمان عيش كريم إذا تم توجيهه ليخدم احتياجات سوق العمل كما في حال مهندسات الكهرباء أو الصيانة التي لن تقتصر الحاجة لهن فقط على المؤسسات النسائية العامة بل ستتمكن بعض (الشطورات) (يوماً ما) من عمل شركات نسائية تستطيع ربة المنزل والموظفة إدخالهن إلى منزلها وهي مطمئنة بدل القلق من دخول رجل غريب على الأطفال أو العاملة المنزلية لإصلاح ما تحتاجه من صيانة وكهرباء لا تتوقف الحاجة لها في كل المنازل.

يجب أن نتوقف عن توقع أن تكون الدولة الحاضن الأكبر سواء عبر وظيفة حكومية أو عبر برامج الخدمات الاجتماعية التي هي فقيرة وضعيفة أصلاً في برامجها وقدرتها على الوصول لكل أو معظم المحتاجين في هذا البلد كما يجب أن نربي قيمة الاعتزاز بالذات وبكفاية النفس بدل قابلية الاعتماد النفسية التي تمت تربيتها ثقافياً عند الأفراد المتلقين لصدقات المحسنين المتقطعة والتي على أهميتها وضروريتها لكل مجتمع تظل طارئة ومتقطعة ولا تضمن دخلاً ثابتاً ومتدرج الارتفاع مثل الوظيفة.

هناك انهار من الفقر الذي تغرق فيه مئات الآلاف من السيدات المتوحدات لرعاية أطفالهن عبر مدن المملكة نتيجة لمرض الزوج أو الطلاق أو الوفاة ومن حق الأجيال الجديدة على الأقل في هذه الأسر أن يتاح لها تعليم وتدريب ينمي مهارات أساسية مطلوبة في سوق العمل كما أن الآلاف من خريجات التخصصات ذات اللا جدوى الآن (أدبية وتربوية وبعض التخصصات العلمية) يمكن إعادة تأهيلهن عبر التدريب وإعادة التدريب فلعل ذلك ينجح بشكل ما في إصلاح ما أفسدته سياسات التعليم المؤدلجة.






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد