انتظرتك كثيراً، انتظرت الأمل في غياب الواقع، ذلك الواقع الذي تمنيت أن أعيشه ماضياً وأحلق في مستقبله حاضراً، ذلك الأمل الذي يخلو من ومضات السواد، ذلك الأمل الذي ينير عتمة الليل ويبرد حرقة ولهيب الشمس.
انتظرتك ولم أنظر لكل واقع حالي ورفضت التغيير علّي أخرج من جسدي الممتلئ بالأفكار الخانقة لأجد مساحة من أكسجين الضوء وأتوقف عنده برهة لأستجمع قواي بعد ترنح طال أمده.
انتظرتك وكبر الانتظار وزاد ألم واقع الحال وامتزج ترنح الجسد بغشاوة النظر وهيام الكلمات التي تحمل رؤية بلا دليل وحلماً بلا أمل، وزاد انتظاري حتى ظننت أني أشق طريقاً لابد لي أن أشقها صباحاً ومساءً، تغربت بخيالي المؤلم، وتوطنت بألمي المفرح باحثاً عن ومضة أمل في سواد الانتظار فلم أجد سوى سواد قاتم ذي عتمة قاسية لا يرجى منها أمل ولا ينتظر منها خروج مفرح.
ناديتك وأعلم أنك تسمعين ما أقول، ناديتك بصوتي الحالم الذي طالما أثار شجونك ودغدغ مشاعرك، ناديتك راجياً أن لا تطيلي غربتي فقد قتلني الضجر أو كاد، واقع أعيشه بهذيان الضياع باحثاً عن كيانك ووجودك، أريد أن أبحر في شواطئ وجدانك وأن أستلقي على شعورك فقد حملني حالماً ولم يتركني واقعاً.
تعلمت أن أغوص في بحر وجدانك وأن ألعب في نار غيرتك وأن أفكر في ملامحك وأن أغني أعذب الألحان على وقع كلمات طفولتك، تعلمت أن أخرج من أنهر الملل التي حبستني حياً وأغرقتني ميتاً.
أرجوك عودي لخيالي فيقيني أنك في غياهب البعد، دعيني أضمك لحضني وأعيش أطلالك التي لم تكن يوما سوى صورة في أخيلتي، دعيني أهيم في مدينتك وأتسكع فوق أرضك فما حملت أرض قدميَّ حتى الآن.
الحزن يداهمني، والضياع يلاحقني، والحزن يملأ أرجائي، والحلم يراودني مبتهجاً تارةً ومكتئباً أحياناً سرعان ما ينزوي ويعود لحزنه القديم ليعيش قصة حلم جديد ينسجه خيالي المتفائل أنت بطلته ومخرجته ومنتجته.
أبحث عن غد مشرق لا سواد فيه ولا عتمة، أبحث عن وجه آخر للعالم لا فراق فيه ولا أحزان، أعين تتعانق وأجساد تتناغم وأرواح تتراقص. أبحث عن واقع لا حلم فيه. أبحث عن الفرح الذي لا يعرف الوحدة ولا يخاف المستقبل. الفرح الطفولي الذي يلهو عاشقاً لكل حياة. أبحث عن مستقبل لا ماضي حزين له، أبحث عن غد يدير ظهره للماضي ويستقبل فرحاً هائجاً ثائراً لا غربة فيه.
شيطان الحلم ما أحمقه، إن استجلبته عاندني وكابر، وإن أهملته جاذبني ونازلني حتف أنفي، فأنا معه في كرّ وفرّ، لا هو الذي أراحني ولا هو الذي عاش واقعه معي، وإن هربت منه فاجأني بصورته المعهودة بالسحَر وهوى بي إلى أسفل الواقع غير المعاش.
شيطان حلمي، ما أحمقه، ما أعنده، يُرغبّني ويثير لدي شهوات الواقع المزيف غير الحقيقي ويريني الأضواء والظلمات، يريني الأمواج والآفاق، يدفعني للركض والجري ولكنه سرعان ما يفلت مني بنرجسيته ومتعته في إيذائي وعذابي.
شيطان حلمي، ما أرعنه، ما أمرقه، يصور الكلمات كالعطر تعبق منه ريح الحياة وندية الحب وغريزة العيش بصورة زاهية وألوان باهرة وأشكال ناطقة، ثم على عهده السادي يفلت مني لتطير المفردات وتخبو الأنوار وتتلاشى الرغبات وتختنق البسمات.
شيطان حلمي، ما أغدره، وما أسفهه، ترنمت طرباً لأحلام العيش المفرح به وغنيت الأحلام الوردية من خلاله، ثم عدت لقبري منزوياً حزيناً كئيباً لا أرى نوراً ولا أشتم سوى رائحة التراب، لا حياة ترجى ولا حلم يتحقق.
لكنني لازلت أحلم وسأظل أحلم حتى لو لم يتحقق الحلم.
والله من وراء القصد،،
dr.aobaid@gmail.com