لا أريد أن أمارس مزيداً من النقد على كادر أعضاء هيئة التدريس الجديد، فقد تعامل معه الكثير من الزملاء في الجامعات، والكثير من الكتاب ومحرري الصحف السعودية بشفافية عالية، وأوضحوا في هذه المشاركات الصحافية
والتلفزيونية أن هذا الكادر لا يلبي الحد الأدنى من التوقعات التي كان أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية يتطلعون إليها، وقد خيب الكثير من الآمال، وقد قتل فيهم بهجة التغيير وفرحة الانتظار، حيث تم تقييس هذه البدلات على شرائح محدودة جداً من كوادر أعضاء هيئة التدريس.. وعلى الرغم من عدم رغبتي في الخوض في هذا الموضوع، إلا أنني أستدعي بعض الملاحظات المهمة في هذا الجدل الكبير:
1- سبق أن كتب الكثير من الزملاء من الجامعات أو من وسائل الإعلام عن الاختلاف الكبير بين كادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية، مقارنة بالكادر الموجود في الجامعات الخليجية الحكومية، حيث تصل النسبة أحيانا إلى حوالي ثلاثة أضعاف مرتبات الكادر السعودي. هذا على مستوى الجامعات الخليجية الحكومية، أما الأهلية فهي أضعاف أضعاف مثل هذه المرتبات..
2- لم يضف الكادر الجديد ولو شيئاً على السلم الحالي، ولهذا فلا توجد أي استفادة حقيقية على المرتبات التقاعدية التي يتطلع إليها الأساتذة من قريبي السن التقاعدية، أملا في معادلة التضخم المتنامي من سنوات على المعيشة في بلادنا.
3- بدلات الجامعات الناشئة جاءت وكأنها عقاب لمن يعمل في الجامعات القديمة، حيث يتم إعطاء هذه البدلات لمن يعمل في جامعات ناشئة. وعلى الرغم من منطقية مثل هذه البدلات، إلا أنها جاءت وكأنها عقاب مباشر لمن أمضوا حياتهم في خدمة جامعات قديمة، وهي الجامعات الرائدة التي أسست تعليمنا العالي.
4- بدل التعليم العالي ويصل إلى حوالي 25% من الراتب غير منضبطة وتتسم بالأهواء وخاصة في الأقسام التي يقل فيها عدد الطلاب أو تقل فيها عدد الشعب التدريسية.. وقد كان يرى البعض أن هذا البدل هو حق مستحق - في حده الأدنى - يضاف للراتب الأساسي لجميع الأعضاء دون تفريق، ولكن ربما حدث شيء في مسيرة القرار أثنى أصحاب القرار من مثل هذه الإضافة البسيطة في سلم الكادر التدريسي..
5- كثير من أعضاء هيئة التدريس يرى أن ما تم هو عبارة عن عملية تجميلية لم تكن ناجحة، وربما تحتاج - بنفس النمط - إلى سلسلة عمليات تجميلية أخرى متتالية خلال الفترة القادمة.
6- كنا نتوقع أن تلعب عدد البحوث التي يقوم بها عضو هيئة التدريس دوراً مهماً في سلم المرتبات أو على أقل تقدير سلم البدلات، بحيث يكافأ كل عضو على عدد البحوث التي أنجزها، وعدد المؤتمرات التي حضرها.. ولكن استبدلت بعدد الجوائز أو براءات الاختراع التي يمكن أن يحصل عليها عضو هيئة التدريس.. مع العلم سلفا أن الغالبية العظمى ستكون مستثناة من مثل هذا الحافز، لطبيعة التخصص، أو لمحدودية الجوائز في الداخل أو الخارج.
7- لا شك أن الجامعات والتعليم العالي بشكل عام وجد دعما كبيرا من لدن خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده يحفظهما الله، ومن يقرأ توجهات الدولة يجد أن هناك اتجاها مدروسا للارتقاء بالتعليم العالي، لأن التعليم العالي وفيه الجامعات هو الأساس الذي تعتمد عليه الأمة والمجتمع في بناء مؤسساتها للتنمية التي تمد هذه المؤسسات بالعناصر البشرية.. وعلى الرغم من وجود مثل هذا الدعم الكبير، إلا أنه لم يصل مباشرة إلى العناصر البشرية التي تعمل في مؤسسات التعليم العالي، وهم أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بالشكل المتوقع.
8- من أطرف ما قرأت عن هذا الموضوع، أن فرح الانتظار لصدور كادر أعضاء هيئة التدريس كان أفضل من صدمة التحسينات التي طرأت، والتي قد تعيق أي تعديلات على السلم الوظيفي لأعضاء هيئة التدريس مستقبلا.
9- يرى البعض أنه لم يصدر كادر لأعضاء هيئة التدريس؛ لأن ما صدر هو تحسينات وصلت إلى نسبة محدودة من الأعضاء واستثنت الكثير ممن يقع في حكم التدريس الجامعي من المعيدين على سبيل المثال أو ممن لا تنطبق عليهم شروط ومواصفات الحوافز الجديدة.
10- حتى مكافأة نهاية الخدمة تم تقليص سنواتها، ولم تكن طبيعية كما كان متوقعا، بدءا من انضمام عضو هيئة التدريس إلى جامعته بتعيينه معيدا، وتم حذف سنوات الإعادة والابتعاث الخارجي، وكأنها سنوات لا تستحق أن تكون ضمن أي شكل من أشكال المكافآت التي تهدف إليها مثل هذه البدلات.
وأخيراً، يظل السؤال حائرا: من اختطف كادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية؟ فبعد طول انتظار واستمرار معاناة، وبعد توصيات من الجامعات، ومن وزارة التعليم العالي، إضافة إلى توصيات متكررة من مجلس الشورى في دورات مختلفة، وبعد كتابات ومقترحات تناولتها الصحافة ووسائل الإعلام على مر السنوات والعقود الماضية، جاء قرار التحسينات ليشكل أشبه بصدمة لكثير من أعضاء هيئة التدريس السعوديين في ظل التقدم الكبير والإنجازات التي انطلقت من كثير من الجامعات السعودية نحو الريادة العالمية.. ويظل الأمل كبيرا في أن يعاد النظر في وضع كادر أعضاء هيئة التدريس السعوديين، أسوة بنظرائهم في جامعات دول مجلس التعاون الخليجي.. وبما يرتقي بمستوى أداء أعضاء هيئة التدريس!! ونأمل هذه المرة أن لا تختطف جهة أو أشخاص في مسار اتخاذ القرار أي جهود تحسينية أو تطويرية لهذا الكادر.. ويظل أملنا كبيرا في إعادة النظر من جديد في هذا الموضوع.. وما تناولته وسائل الصحافة والإعلام خلال الثلاثة أسابيع الماضية وما بثه الإنترنت عبر آراء ومنتديات ونقاشات ربما يعكس رأيا عاما في الجامعات يستحق الوقفة المتأنية والرؤية الحكيمة المتوازنة في هذا الموضوع.
* المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa