في عالية نجد؛ وفي هجرة من هجر البادية التي استقروا بها بعد توحيد الملك عبدالعزيز للمملكة هناك رجل يحب أن يكون متميزاً عن غيره بفعل يقره العقل والدين ورجولة الرجال الحق، حيث عرف عنه الكرم والشهامة والترفع عن التوافه، فقد جاءه شقيقه يخطب ابنته الشابة إلى ابنه الشاب الذي يعمل مهندسا مدنيا في إحدى القطاعات العامة بالرياض، شاب مستقيم الفكر والتصرف، وقد تعيّن في عمله لثلاث سنوات مضت، جاء الرجل وابنه إلى الهجرة، وتقدموا إلى أب البنت طالبين القرب كما يقال، استشار الرجل ابنته وزوجته فوافقتا لأنه من خيرة العرسان؛ أعطاهم كلمته وقبلوا.
بعد الغداء أرادوا المغادرة لكي يرتبوا للزواج بعد أربعة أشهر، أي في العطلة الصيفية، وقالوا له سنجعل الملكة قبل الزواج بشهرين؛ لكنه قال: لا، أنا زوجت الابن البنت، فاصبروا إلى بعد العصر حتى نملّك لكم عند المأذون.
أحضر شاهدين وقال لهم: مهرها عشرون ألف ريال تسلّم الآن.
وكانوا لم يحضروا معهم المبلغ؛ لكنه ألحّ عليهم بذلك، وذهب أبو المتزوج إلى قريب آخر واقترض منه المبلغ لأن البنوك لا تفتح إلا في الصباح، استلم العشرين ألفاً؛ وجهّز ابنته حيث إن زواجها سيكون قريباً.
وهم في طريق العودة يتحدثون عن إلحاحه بطلب المبلغ الآن، وكانوا بين لائم ومتعشم ومحق.
صار جدال بين الأب وبين الأم التي تريد حفلا باذخا لابنتها في عطلة الصيف؛ لكنه خالفها الرأي وقال لها بعقل الرجل الراجح: نحن نريد سعادة ابنتنا وزوجها، ونعرف حالة كل الشباب المادية، فلا داعي لأن نحمّله أكثر من طاقته ونجعله يسير على نهج هو مرغم عليه.
اقتنعت الأم والبنت معا، ولكن المفاجأة ان جاء الابن متجها إلى مكة لأداء العمرة لأن إجازته مدتها عشرة أيام، فمرّ على أهل زوجته، بحكم ان والدها عمه الشقيق ولابد من زيارته وهو في طريقه، وكانت المفاجأة عندما تناول الغداء ثم ودّع عمه للسفر إلى مكة، فقال له عمه: اصبر ساعة حتى تأخذ زوجتك معك.
صعق الشاب وصار في موقف لا يعرف كيف يتصرف؛ وهو بين مصدق ومكذب ومحرج ومتفائل؛ فعلا لم يعرف كيف حالته تلك اللحظة؛ لكنه وافق لأنه يعرف عقلية عمه الواعية، فحمل زوجته التي استلمت مهرها مسبقاً وعقد له عليها قبل شهر من الآن؛ وغادر إلى مكة المكرمة وأدّى العمرة مع زوجته، ولم يخبر أباه ولا أمه بما حصل، لكنه قبل أن يصعد طلعة (القدّية) القريبة من الرياض اتصل بأخته في البيت وقال لها الخبر وأمرها ألا تخبر أحداً، وقال: - رتبي غرفتي وملابسي المتناثرة فيها.
ولما دخل البيت وخلفه امرأته الشابة كانت مفاجأة لأبيه وأمه معاً.
هذه القصة حصلت قبل شهر من الآن، ومازال صداها يتردد في المجالس.
هناك عقلاء مثل هذا الأب؟!!. وهم كثيرون والحمد لله، ولكن لا نعرف عن قصصهم شيئاً.
فاكس 2372911
Abo_hamra@hotmail.com