Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/09/2008 G Issue 13139
الخميس 18 رمضان 1429   العدد  13139
أمي.. أين أنت
إيمان المكينزي

عاشت مع والديها حياة سعيدة، وهانئة لا يعكر صفوها شيء.. كانت الوحيدة المدللة، طلباتها مجابة، لم تكن طلباتها رغبات بل أوامر.. لا ينقصها شيء.. والدتها نعم الأم الحنون، ووالدها نعم الأب الرحوم.. كانا يحبانها أشد الحب، وهي ذات الـ(15) ربيعاً لم يكن لهما في هذه الدنيا سواها، فهي الوحيدة حتى جاء ذلك اليوم عشر ربيعا، وذلك عندما أرادت الخلود إلى النوم، وكعادتها كل يوم قبل أن تنام، ذهبت إلى والديها تقبلهما، ولكنها رأت والدتها بوجه متغير، يبدو عليها التعب والارهاق، أوجست خيفة في قلبها؛ لأنها لم تعتد هذا من والدتها سألتها: ما بك يا أمي فردت عليها بعاطفة الأمومة، وطمأنتها؛ فارتمت في أحضانها، أحست من والدتها شوقاً وحرارة لم تعهدهما من قبل؛ وقبلت والديها، ثم ذهبت للنوم.. وعندما استيقظت عند العاشرة صباحاً تعجبت لِم لمْ توقظها للمدرسة!! خرجت من غرفتها لتستطلع الأمر؛ بحثت عن أمها فلم تجدها، بحثت عنها في كل مكان، ولكن دون جدوى، لم تجد أحداً في المنزل.. بدأ القلق يسلك مسلكه إلى قلبها الصغير. كانت شديدة الخوف على والديها .

الحال قائلاً: اطمئني انها بخير، ما أصابها مجرد نزلة برد، وذهبت بها للمستشفى للاطمئنان عليها، وسوف نعود بعد قليل..

لم تقتنع بحديث والدها، لأن صوته يحمل نبرة حزن.. اتجهت إلى غرفتها، أغلقت الباب، وبكت بشدة.. بكت وكأنها تبكي لأول مرة، لأنها تعلم ان والدها يخفي شيئا عنها.. وبعد مرور وقت عصيب عليها عاد والدها، ولكنه عاد وحده دون والدتها..

أمسكت بيديه بقوة، وقالت: أين أمي؟ ماذا حدث لها؟ أرجوك أخبرني..

أجابها والدها: إنها بخير، لكن الطبيب يريد أن يجري بعض الفحوصات الطبية ليطمئن فقط..

سألته: لماذا؟

أجابها: لا شيء، كل شيء على ما يرام..

قالت: أريد أن أذهب إليها، أريد أن أراها..

والدها لم يتمالك نفسه عندما رأى الدموع تذرف من عينيها، ولم يستطع رد توسلاتها.. حسناً سنذهب، ولكنها مرهقة قليلاً؛ لذلك لن نطيل البقاء عندها..

قالت: حسناً..

وصلت مع والدها إلى أمها لتجدها مرتمية على السرير الأبيض، والأجهزة قد غطت معظم أعضاء جسدها.. همست في أذنها: كيف حالك؛ لكنها لم تجبها..

ذرفت دموعها.. أمي أرجوك حدثيني اشتقت لسماع صوتك العذب، أريد أن أرتمي في حضنك الدافئ.. لا أريد أن أفقدك؛ فأنت أغلى ما أملك في هذه الدنيا.. الدنيا لا تساوي شيئا دونك، أرجوك ردي عليَّ، أريدك أن تعودي معي إلى مملكتنا الصغيرة، إلى منزلنا لنعيش حياتنا سعداء كما كنا.. وبينما هي تحدث والدتها سمعت صوت والدها وهو يسأل الطبيب.. أخبرني ما بها وما حالتها..

الطبيب: ماذا أقول لك وعن ماذا أخبرك؟!

والدها: أرجوك تكلم، قل ماذا أصابها، وما هو مرضها..؟!

الطبيب: يؤسفني ان أقول لك ان الفحوصات والتحاليل التي أجريناها تؤكد ان لديها.. ثم صمت قليلاً..

والدها: تحدث، انطق ما بها..

الطبيب: تؤكد وجود سرطان في الدم..

والدها: ماذا تقول؟! سرطان في الدم!!

الطبيب: ولكننا لسنا متأكدين، وسوف نعيد إجراء الفحوصات..

والدها: وهل يوجد أمل في الشفاء..

الطبيب: لا أستطيع أن أخبرك إلا بعد التأكد من الفحوصات، وإذا كان الكلام صحيحاً فسوف نقوم بالذي نقدر عليه؛ وأملنا بالله كبير..

والدها: لا حول ولا قوة إلا بالله..

عندما سمعت هذا الخبر الذي نزل كالصاعقة عليها، لم تتمالك نفسها؛ فسقطت مغشيا عليها، وعندما أفاقت وجدت نفسها على السرير في غرفتها.. اتجهت نحو غرفة والدتها؛ فوجدتها نائمة! أسرعت إليها فارتمت في حضنها.. بكت كبكاء الأطفال وهي تقول أرجوك لا تتركيني مرة أخرى..

والدتها بتعجب: ماذا تقولين؟ كيف أتركك وأنتِ أغلى ما لي في هذه الدنيا..

فعلمت أنها كانت في كابوس مخيف، ثم غطت في نوم عميق بين أحضان والديها..

*عن وهج الحياة للإعلام



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد