أُوقفت عدد من المسلسلات البدوية التي كانت ستعرض في رمضان بسبب الخشية من أن تكون أحداثها ومضمونها مثيرة للنعرات العصبية والقبلية.
والسؤال هنا يتصعد أمام هذا المنع، يحيط به بعض من علامات التعجب!!
فتلك المسلسلات لم توقف لقصور في طرحها الفني أو خلل في معلوماتها التاريخية أو تهلهل في الحبكة وضعف في الإخراج وإسفاف في التمثيل, أو أي من المسوغات المشروعة التي من الممكن أن توقف مسلسلاً ما، ولكن فقط.. للخشية من أن تثير العصبيات القبلية وتستفز النعرات الكامنة.
ومن المعروف أن تلك المسلسلات تعتمد في أحداثها على وقائع تاريخية, وجميع تلك الأحداث والحروب والانتصارات والهزائم قد رصدها التاريخ ودوّنها، ولا يمكن أن نزيلها ونسقطها من التاريخ فقط عندما نقرر ألا نراها أو نمنع أن يراها أحد.
هي حتماً من مكونات الوجدان الشعبي الذي تنبت على جوانبه البطولات والتضحيات وكمّ وافر من القيم الصحراوية النبيلة التي من الصعب حجبها عن المتلقين طالما هي موجودة في وجدانهم الجمعي عبر الحكايات والقصص والقصائد الشفوية، والتعامل معها فنياً هو احترام وتكريس لجانب جميل ونبيل من ذلك التاريخ.
أيضاً قرار المنع يحيلنا إلى أن تلك العصبيات موجودة، ولكنها موجودة في حالة كمون وتخدير، ومن الممكن أن تستثار في أية لحظة وتحت أي ظرف طارئ, أي أنها هنا كالوحش الحبيس المخدر الذي من الممكن أن يستعيد وعيه في أي لحظة, وهذا المفهوم أعتقد به كم وافر من الوصاية الأبوية على ذهن المشاهد الواعي الذكي, الذي بات يمتلك أدوات الفرز والغربلة على مستوى معين.
أيضاً المنع به عملية تبخيس وتقليل من شأن مشروع الدولة الحديثة الذي نقل المكان وسكانه من أطوارهم الصحراوية القبلية إلى الفضاء المدني, حيث يتجاوز المشروع جميع الولاءات القديمة وينخرطون في هيكلة الدولة ومؤسساتها.
بل إن عرض تلك المسلسلات يطلق جميع ما هو مخبأ ومحتقن ومسكوت عنه, يطلقه بطريقة فنية مخففة فيصبح خاضعاً للحوار والمناقشة والمداولة العقلانية, ومن هنا يخلق الفضاء المشترك الذي يتشارك فيه الجميع مشروع الدولة كونها خيمة يستظل بها الجميع تحت مظلة القانون, متجاوزاً النظام البائد للأعراف الصحراوية.
ولا يعني هذا رفض ذلك الموروث فهو جزء من بنية الوعي المحلي, ولكن التعامل معه كإمكانات متحولة يجرى مقاربتها فنياً واستخلاص كل ما هو نبيل وإنساني فيها أمر جميل وفي غاية الروعة.
عرض تلك المسلسلات كان من الممكن أن يكون بالون اختبار, تختبر من خلاله الدولة الأشواط التي قطعها مشروع الدولة الحديثة بعيداً عن الصحراء.
أتمنى أن يعاد النظر في قرارات المنع؛ فالحوار حول المسكوت عنه وعرضه وتفتيق جوانب ثغراته وقصوره، هو بالتأكيد أبرز معالم المجتمع المدني الحديث, المجتمع الذي يؤمن بقيم الحوار والتجاور والتعايش.