إلى الدكتور محمد بعد التحية

السلام عليكم ورحمة الله

كل عام وأنت بخير، أنا أراجع في إحدى العيادات النفسية منذ فترة، مشكلتي باختصار فقدت أبي وأنا صغير، وأنا أكبر إخواني، وأصبحت الوحيد المسؤول عن أمي وأخواتي، تزوج كل إخوتي الأصغر مني وبقيت أنا أعول أمي وأخواتي والحمد لله، المشكلة قبل حوالي شهرين بدأت أشعر بكتمة شديدة في الصدر وتنميل في الأطراف ولا أستطيع النوم. كل الفحوصات الطبية كانت طبيعية، بعدها ذهبت لطبيب نفسي بعد نصيحة من أحد الأطباء وقال إن عندي قلقاً شديداً وأعطاني علاج سيبراليكس وارتحت كثيراً لاستخدامه، لكنني مازلت كلما قرأت خبراً في الجريدة عن مريض نفسي وجده أهله تائهاً، أو مريض نفسي انتحر، يصيبني رعب شديد وخوف أن تتطور حالتي وأصبح مثلهم، هل المفروض أن أستمر على الدواء أم أوقفه، وهل الحالة هذه قابلة للتطور؟

- أخي الكريم، كان الله في عونك، وأسأله تعالى في هذا الشهر الفضيل أن يعينك على القيام بمتطلبات أسرتك، لكنني أستغرب لماذا لم تتزوج حتى الآن كما فهمت من رسالتك بينما تزوج إخوتك الصغار، وإذا كان السبب في ذلك هو أنك المسؤول عن أمك وأخواتك فأنا أعتقد أنه بإمكانك وصف هذا الوضع الاجتماعي بدقة ووضوح للفتاة التي ترغب بالزواج منها وستجد من تتفهم الوضع وتقبل به وقد تكون بإذن الله عوناً لك في هذه المسؤولية.

بالنسبة لاضطرابات القلق بشكل عام وسأبني هنا على التشخيص الذي وصلك من أحد الأطباء كما ذكرت وعلى استجابتك ولله الحمد بشكل جيد لدواء السيبراليكس، فهذه الاضطرابات في العادة ورغم أنها مزعجة جداً ومتعبة لمن يعاني منها إلا أنها لا تتطور إلى أمراض خطيرة بإذن الله، والبعض قد يتصور أن المرض النفسي واحد وأن أعراض القلق تتطور بشكل طبيعي لتصل في النهاية بالشخص إلى الاختلال العقلي الكامل أو الإصابة بأمراض خطيرة كالفصام العقلي مثلاً، وهذا غير صحيح إطلاقاً، فالأمراض النفسية الخطيرة كالفصام العقلي والتي تؤدي إلى خلل في التفكير لها مؤشرات وعلامات مختلفة، وعادة يكون الشخص مهيأ من الناحية البيولوجية للإصابة بهكذا اضطراب كوجود تاريخ في العائلة للإصابة بهذا المرض. لذلك أتمنى من كل قلبي أن تكون وسائل الإعلام خصوصا الصحف أكثر دقة في نقلها لأي خبر خاص بمرض نفسي لأن الكثير من الأخبار التي تصف أو تصور شخصا رثاً وممزق الثياب هاربا من أسرته ويعيش وحيدا تصف في الكثير من الأوقات شخصا مصابا تحديدا بالفصام العقلي بل وللمزيد من التحديد والدقة فهي تصف مصابا بأحد أشد أنواع الفصام العقلي خطورة وهو ما يسمى بالفصام التفسخي Disorganized Schizophrenia وبدلا من إطلاق وصف عام هكذا (مريض نفسي) مما يؤذي مشاعر مرتادي العيادة النفسية ويزيد العبء والنظرة السلبية من بعض أفراد المجتمع لهم فالأفضل أن يتم التحديد تماما كما يحدث مع الأمراض الباطنية فنحن لا نعمم بل نتحدث عن مريض قلب أو مريض بالأمراض الصدرية وهكذا، ولا شك أن هذا الأمر عائد بدرجة كبيرة لنقص التثقيف والتوعية الخاصة بالأمراض النفسية من العاملين في هذا المجال بمختلف مسمياتهم وعلى رأسهم الأطباء النفسيون. عموما أخي العزيز أتصور أنك قادر بعد فترة على الاستغناء عن الدواء طبعا بمشورة طبيبك ولا داعي للقلق أبدا بخصوص تطور أعراض مرضك فأنت الآن بإذن الله على الطريق الصحيح وكل ما يلزمك بعد ذلك هو أن تتعلم فن إدارة ضغوط الحياة بشكل صحيح لتخفف عن نفسك الأعباء الاجتماعية المبالغ فيها فلنفسك أنت أيضا حق عليك، وتذكر أن أكبر خدمة تقدمها لوالدتك وأخواتك هي محافظتك على صحتك العضوية والنفسية وأن يروك دائما بمعنويات مرتفعة لتكون قادرا على تقديم الدعم المطلوب لهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه وبدون إحساسك أنت الداخلي بالأمان والاستقرار النفسي والعاطفي لا يمكن لك أن تقدمه لمن حولك وإنما سيتضح أنك في الحقيقة تحاول أن تتظاهر بذلك.

وفقك الله.

إضاءة

كل خطوة تخطوها بنجاح تعني المزيد من الثقة لخطوات أكثر نجاحاً.

****

تنويه مهم

ستتوقف الزاوية في الأسابيع القادمة من رمضان على أن تعود بإذن الله تعالى بعد إجازة عيد الفطر المبارك. وكل عام وأنتم بخير

*******

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.