Al Jazirah NewsPaper Thursday  18/09/2008 G Issue 13139
الخميس 18 رمضان 1429   العدد  13139
تأملات حول الدراما السعودية
د. عبدالمحسن محمد الرشود

الفن الحقيقي هو ذلك الإبداع، الذي يسمو بالنفس ويسرّها، ويقودها إلى مكارم الأخلاق، ويحرك في داخلها أسئلة أخرى أكثر عمقاً، ناهيك عن أن الإبداع يسلي النفس عن ما بها من هموم وشكوى، ويقدم - في ذات الوقت - للإنسانية عبراً ودروساً تتماهى مع واقع الحياة يستفيد منها المتلقي في دينه ودنياه.. وقوام الفن خيال يؤسس له اللفظ الأرقى والمعاني الرصينة.. وإلا أصبح لغواً وتهريجاً وإفساداً للذوق العام سواء للنشء أو الكبار على حد سواء.

لا شك أن الفن لدينا لا زال يحبو بحكم حداثتنا وقرب عهدنا من الخطاب الإبداعي الفني البناء والذي يحمل رسالات تربوية وثقافية وفكرية، ونحن تقدمنا قليلاً في (طاش ما طاش) بتناولاته الجادة ومعايشته للواقع السعودي لأكثر من عقد من الزمان.. وأصبح له جماهيرية كبيرة، وبعد طاش عدنا إلى الانتكاسة من جديد ليس لأن طاش غاب بل انتكسنا من خلال معظم المسلسلات التي تعرض خلال شهر رمضان المبارك والتي تمتلئ بالإيحاءات الجنسية، وبالخروج عن المألوف وعن الذوق العام والأدب وأخلاقيات العمل الإعلامي الفني، بينما المسلسلات في سوريا تقدم نماذج (الكرم.. الشجاعة والرجولة) وفي مصر تقدم (الواقعية، والصبر والتفاؤل والتسامح) وفي تركيا تقدم (الرومانسية والجنتلمانية).. أما نحن في السعودية نقدم السعوديين على أنهم مختلون عقلياً وغير مؤدبين وفوضويين.

وإن أعتب فإنما أعتب على القنوات التي تسمح في هذا الشهر المبارك أن تعرض في هذا الوقت ما لا ينفع بل يضر بصورتنا العامة أمام الآخرين متناسين موقعنا الإسلامي المتفرد بمسؤولياته تجاه المسلمين في أقطاب الدنيا.. ولقد سمعت في وسيلة إعلامية من يتساءل كيف أن السعوديين الذين هم أهل الحرمين الشريفين والمجتمع المحافظ كيف يقدموا أنفسهم بهذا الشكل.

ونحن نتساءل أمثل هذه البرامج تعطي صورة حقيقية عن المجتمع السعودي. إنني أجزم أن هؤلاء الممثلين لا يمثلون واقعنا المتطور والحمد لله على الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

الفن يعطي صورة عن الوسط الذي ينمو فيه الفنان.. ومع الأسف ممثلونا لم يعطوا صورة جميلة وطيبة عن مجتمعهم وكنت أتمنى لو أن قناة الأم. بي. سي وهي المهتمة بالفن أن تؤسس معهداً للتمثيل يذهب إليه من يريد هذا المضمار ويستقطبون كبار الفنانين العرب من مخرجين وكتاب ومبدعين لكي ينهضوا بالفن لدينا.. الجهود الشخصية لا تكفي لتأسيس عمل درامي مستدام.

وإنني أتساءل لماذا لا يتجه المنتجون للأعمال الراقية التاريخية والإسلامية التي يحفل بها تاريخنا.. وحياتنا الاجتماعية مليئة بالأحداث الأجمل.. والملاحظ أن الكتاب والمخرجين غير سعوديين!! أين الكتاب وأصحاب الفكر من المشاركة في الأعمال الدرامية الفنية التي تصورنا وترسم شخصيتنا أمام الآخرين. نريد موقفاً من وزارة الثقافة والإعلام يحدد آليات إنتاج الأعمال الفنية وشروط جديدة وقيود للأعمال الفنية التي ستعرض على أبنائنا، والتنسيق مع القنوات الأخرى بإيقاف التشويه الذي يعصف بنا، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك أعاده الله علينا وعليكم بالخير والمسرات.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد