لما نتناول الطاقة الأرضية، نقصد بذلك الطاقة المنتجة من النفط والغاز الطبيعي والفحم، ويختلف توزيعها الجغرافي إنتاجاً واستهلاكاً بناء على العرض والطلب، كما ذكرت في مقالة سابقة في هذه الصحيفة. الحاصل في الغرب وفي بلدان أخرى، سواء منتجة أو مستهلكة...
...هنالك ما يسمى بالثورة الخضراء، آو البعد عن الاعتماد على الوقود الأرضي fossil fuel تخطيطاً للمدى القريب والبعيد. هذا المنحى مهم للجميع للمنتجين والمستهلكين، وعلى وجه الخصوص للأجيال القادمة التي سوف تأتي بعدنا. الدول المنتجة وعلى وجه الخصوص ذات الاحتياطي الكبير، في النفط مثلا، تعي هذا الأمر، ولديها مجالس اقتصادية على أعلى المستويات، ولكن ما هي خططهم أو إستراتيجياتهم، دعونا نرى ملامحها العامة فقط لعشر سنين قادمة لعشرين لثلاثين لخمسين.
للمدى القريب الدول النفطية، سيما المرتكزة على وقود بعينه لتمويل معظم خططها ومشاريعها التنموية، ما ذا ستفعل عندما تنخفض أسعار النفط؟، والمعلوم أن أسعار النفط بدأت في ذلك منذ شهر وسوف تستمر في الانخفاض التدريجي، وقد تتأرجح بين الصعود والهبوط. السبب، لأن الدول، المستهلكة وحتى المنتجة، بدأت تتوجه، منذ فترة زمنية، نحو التقليل من الاعتماد على الوقود الأرضي. لماذا؟ لتحسين وضعهم الاقتصادي، من ناحية، وللتوجه نحو بيئة أكثر نظافة وأكثر أمناً من ناحية أخرى.
الطلب على النفط بدأ ينخفض بسبب ارتفاعه إلى مستوى اضطر فيه المستهلك إلى الجنوح نحو الترشيد. والدول التي تمنح مواطنيها إعانات مقابل ارتفاع أسعار النفط الكبيرة، بدأت تتراجع عن ذلك، فعائداتها من الموارد النفطية لم تعد لها طبيعة الاستدامة للاستمرار في برامج الإعانات لشرائح من مواطنيها، ليس للنفط فقط بل للغذاء والدواء والماء والكهرباء والسكن، مقابل غلاء المعيشة بشكل عام. ومن قال إنه بمجرد انخفاض أسعار الوقود ستنخفض أسعار المواد والسلع، هذا شيء غير مضمون، ولا يمكن المراهنة عليه.
إذن ما الحل؟ التوجه نحو إستراتيجيات اقتصادية قريبة وبعيدة المدى. لن نعيد ابتكار العجلة، بالطبع لا، ولكن نضع خططاً ونحدد مفاهيماً واضحة ونضع أهدافاً وآليات لتنفيذها بالتعاون مع ثلاث جهات: الدولة، الأكاديميا، القطاع الخاص، وبالطبع مع الدول ذات المراكز العلمية والصناعية المتميزة.
ونحن في هذا الزمان نعيش على كوكب، كما ذكر أحد الكتاب، يعاني من مشكلات اقتصادية واكتظاظ سكاني وفقر وعنف، ويعاني من عدد من المشكلات البيئية من سخونة أرضية ومن تلوث وتغير مناخي وانقراض لبعض الفصائل الحيوانية واستمرار في الإدمان على الوقود الأرضي.
وهنالك مجال مهم يساعد على الحد من التدهور البيئي الذي يعيشه كوكبنا وفي مقدمة ذلك التوجه نحو بدائل أخرى للطاقة. هنالك دول بدأت في هذا المسار وعلى رأسها الدنمارك واليابان. وضعت الدنمارك ضرائب على البترول واستثمرت أموالاً كبيرة في الطاقة البديلة، ويعتبر وضعها الاقتصادي من أفضل الأوضاع إذ إن نسبة البطالة فيها أقل من 2 في المائة، وتصنع الدنمارك 1 من كل 3 توربينات توليد للطاقة الريحية تصنع في العالم. وليس هذا فحسب فلقد اشترت الدنمارك محطات توليد طاقة ريحية أمريكية والتي أوقفت في عهد ريجن في عام 1980م.
الاعتماد على النفط كمصدر لتمويل المشروعات التنموية فيه من المجازفة الشيء الكثير. لو أخذنا إيران، مثلاً التي عائداتها من النفط تصل إلى 44 بليون دولاراً سنوياً في الطفرة الحديثة لأسعار النفط، الآن أصبح باستطاعتها إنفاق 25 بليون دولار على إعانات لشعبها في مجالات مثل التعليم والمساكن والغذاء، ولكن عندما ينخفض سعر النفط إلى نصف سعره الحالي أو أقل، فهل سيكون في مقدورها الاستمرار في هذه الإعانات؟، بالطبع لا.
على الدول الخليجية بالتعاون مع الدول ذات الخبرة في مجال الطاقة البديلة أن تضع خططاً وإستراتيجيات، كما ذكرت آنفا، للتحول من الاعتماد على النفط، المورد الوحيد، إلى موارد بديلة للطاقة، وليس هذا فحسب بل السعي نحو تطوير وسائل نقل عامة، لا تعتمد على الوقود الأرضي. وعلينا بشكل عام، أفرادا وأسرا ومجتمعات، أن نعي دورنا ومسئوليتنا تجاه الأجيال القادمة، ويتحقق ذلك بإدراك هذه المشكلة وإدراك أبعادها ومن ثم السعي نحو حلها، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.