ليت الزمان نسيني، فبقيت صغيراً ألاعب طفليَّ عبير وعبدالمجيد، نتقاسم الأدوار في ملعبنا، فأكون مرة أنا الساحر الشرير أو الذئب الذي يحتال على الصغيرة ليأكلها وأخرى أكون أنا الفارس العنيد، أو أكون ما تصوره لنا خيالات اللحظة ومتطلبات المتعة، فالأمر كله خيال متعة مصنوع، ننهيه متى شئنا ومتى أشبعنا في أرواحنا ما نريد، ودنيانا كما نراها رحبة واسعة لا يحدها حاجز ونحن نلعب في مساحة من بضعة أمتار لا تزيد، تتمازج فيها أرواحنا ونحن نتقاسم عباراتنا، ونتشارك رغباتنا، وتتكامل في ملعبنا حركاتنا، حتى إذا أخذ منا التعب ما أخذ، تراكضنا لنجد دفء حضن يربت على قلوبنا، ويحنو علينا ثم نفترق ونحن متلازمون ليذهب كل واحد منا في أحلامه إلى ما يشاء من بعيد.
ليت الأمور التي مررت بها حدثت بتفاصيلها كما أريد، وليت الناس الذين أحببتهم فهموا ما كنت أريد، بل ليتني أنا قبل هذا كله كنت أعرف تحديدا ما أريد، ليت أحلامي بقيت كما كانت صغيرة لم تكبر ليكبر معها همها، فيصاحبني في كل لحظة لا يغيب، ويحول أحلاما حفرتها في وجداني، وجاهدتها إلى هواجس تقلقني وتزعجني وتكشف لي زيف حبيب أو قريب، ليت كل شيء في حياتي يعود إلى بداياته فلربما أحسنت معه التعامل، لعلي أرتب كلمات نفاقي وأتعلم كيف أجامل.
ليتني.. وليتني أرددها وأنا أعرف أن ليت لا تحقق المنى، ولا تغير ملامح درب ضاق بعابره وأضاع الخطى، أرددها لأن الدنيا على اتساعها لم تكن بقدر اتساع قلبين صغيرين، لا يعترفان بهمومها ولا يهتمان فيها بغير مساحة ملعبهما، فيغريني هذا فيهما، وتغلبني ليت وأتمنى لو أنني أعود صغيراً، تحتويني مساحات قلبيهما وأنا ألعب معهما لعبة الغميمة، وأشاركهما براءة الدنيا في لحظات حميمة، فتسمو روحي فوق كل همومها فلا تشعر بعد أنها يتيمة. ليتني بعد أن عرفت ما أريد، أعود صغيرا ألعب مع عبير وعبدالمجيد.. والله المستعان.