قد تملي عليك الأحداث المعاصرة إعادة استقراء التاريخ وصياغته من جديد، والتحليل للأحداث أمر طبيعي وإيجابي في الوقت نفسه، والتاريخ قد يعيد صورته السلبية من خلال الفجوات، أو الفهم الخاطئ والتحليل غير المنطقي للحدث. وكم هي تلك الأحداث التي كيفنا تاريخها، لتخدم مسار ثقافة، أو منهج وفكر ارتضيناه، وحاولنا إقصاء ما سواه.

* لو أخذنا تاريخ (الخوارج) مثالا لوجدنا غير نفر من الباحثين يتجاهل ظهورهم منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلان الخلافة الإسلامية على يد (أبي بكر الصديق) رضي الله عنه، وما تلا ذلك من تمرد ديني، وسياسي، ومحاولة إحياء العصبية القبلية من جديد واتخاذها أساساً للحكم.

* في اعتقادي أن حروب المرتدين من ( الخوارج) في عصور الخلافة وما تلاها أحدث تغييراً في المفاهيم حيال قضايا التشريع، والاجتهاد، والقياس في التعامل والتحاكم في بعض القضايا المعاصرة بقدر ما أحدثه فجر الرسالة المحمدية وعصر النبوة، ومن هنا كان الاختلاف بين بعض الأطياف، وهم يتناولون سير الأسلاف، ويتطرفون بعض التطرف فيها، مدحا، او قدحا على وجه يخرجهم من الموضوعية، أو يوقعهم في محاذير شرعية.

* ثلاثة أسباب رئيسة يتمحور عليها البحث عند الحديث عما يسمى ب(حروب المرتدين) وأسبابها. امتناع عن الزكاة وهو الأقوى، محاولة إحياء العصبية القبلية. الخروج والتمرد السياسي وشق عصا الطاعة لولي الأمر.

* وكان من الطبيعي أن يقابل هذا الفعل بشيء من التردد من البعض حتى استبانت الحقيقة، واتضحت الحجة، وانجلت الأهداف. هكذا كان منهج الصحابة (رضي الله عنهم أجمعين) في التروي والأناة فيما يتشابه عليهم، أو يتوقع أن يكون مثار إشكال، أو يحدث فتنة في المجتمع.

* لقد أدرك المجتمع الإسلامي أن الخروج على السلطان، أو إحياء العصبيات لا تقل بأي حال من الأحوال عن الإخلال بركن من أركان الإسلام، إذ هي من أكبر الوسائل المفضية للفوضى والاختلاف والانقسام في المجتمع.

* لا أدري لماذا يتجاهل (خوارج هذا العصر)، أو بعض المنظرين المتطرفين لفكر (القاعدة) أو المتعاطفين معهم هذه الحقائق عند الحديث عن موقف الإسلام وولاة الأمر من المنتمين للفئات الضالة، ويصرون على تناول أسباب الحروب من زاوية واحدة، ويتركون البواعث الأخرى، إما جهلا، أو تجاهلا.

* إذن نحتاج إلى إعادة استقراء وصياغة للتاريخ متزنة وموضوعية، بعيدة كل البعد عن أنواع التجاذبات التي تسيس، أوتؤدلج الأحداث، ويسير خلفها دهماء الناس من غير تمحيص أو تفكير. شبهات كثيرة أدت إلى رسم صور مزدوجة عن بعض الشخصيات التاريخية، وموقف الإسلام من الأحداث. من هنا نحن بأمس الحاجة إلى دراسة التاريخ بعين العقل والمنطق. ا- هـ