ما أمر الله ورسوله بأمر، ولا نهى الله ورسوله عن شيء إلا ومن وراء ذلك حكم عظيمة يعلمها من يعلمها، ويجهلها من يجهلها، ولما شرع الله صوم شهر رمضان بين الحكمة من ذلك فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فلعل هنا للترجي، ولإن كان الله تعالى لا يترجى عباده لما يعود عليه هو النفع، فهو الغني عنهم، إنما هي أعمالهم يحصيها لهم فمن وجد خير فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، إلا أن الله سبحانه يترجاهم لما يعود عليهم بالنفع العاجل والآجل.
ليس للمخلوق أن يطالب الخالق بمعرفة الحكمة من التشريع، إنما هو التسليم والانقياد، لأنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولكن من رحمة الله تعالى أن بين كثيراً من الحكم التي من أجلها شرع الأوامر والنواهي، والأجور المترتبة عليها ليأنس المسلم بذلك ويسر، وليكون حافزاً لفعل هذه الأوامر، والكف عن الزواجر، فمما شرع الله، أن أمر بصيام شهر رمضان المبارك أمر إلزام، ومن المعلوم أن الحكم من مشروعية الصيام كثيرة ولكن أهمها ما ذكر الله سبحانه: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، أعظم ما يحتاجه المسلم هو التقوى، ومن لم يكن من المتقين فإنه يسهل عليه تجشم المحرمات، ولا يبالي بترك المأمورات، ولئن استمرت حياة الإنسان دون معاودة لموسم يتجدد فيه الوازع إلى الخير والرادع عن الشر ليهلكن، وإن من أعظم إن لم يكن أعظم مواسم حصول التقوى لدى المسلم بعد توفيق الله هو صيام شهر رمضان المبارك، ولكن كيف تحصل التقوى؟ وعند من؟ أما كيف، فإن الله تعالى جعل حصول الأشياء مقيدا بفعل أسبابها، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، وقد قال سبحانه: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} وقال أيضاً: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، كل هذه الآيات تدل على أن من بذل أسباب حصول الشيء حصل له سواء كان خيراً أم غير ذلك، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}والله تعالى يقول: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}، فحصول المقصود معلق بفعل سببه، إذا قرر هذا فإنه يأتي الجواب على السؤال آنف الذكر كيف تحصل التقوى؟ أولا: أن يصوم المسلم رمضان عبادة لا عادة ولا تقليداً ولا مسايرة للناس إنما إيمانأً واحتساباً، بنية خالصة لله، ثانياً: يحرص على أداء الفرائض بأوقاتها وعلى حسب ما طلب الشارع فعلها لا إفراط ولا تفريط، ثالثا: يتزود من نوافل العبادات من صلاة ودعوة وتلاوة قرآن، وذكر لله، ومساعدة محتاج، وبذل للخير، وتفطير صائم وزيارة مريض، وغير ذلك مما لا يخفى. رابعا: يحرص على الدعاء والإكثار منه ولا يمل، فإن رمضان من الأزمنة التي يتحرى فيها إجابة الدعاء، خامسا: إذا تيسر له أداء العمرة في رمضان فيكون قد جمع بين شرف الزمان والمكان، وفضل تلك العبادة أعني الدعاء، فتحصل له التقوى بإذن الله تعالى.
أما الإجابة عن السؤال.. وعند من تحصل التقوى: فعند من وفقه الله وعلم منه الخير في علمه الأزلي، ومن كتب الله له ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم بعد ما قال للصحابة رضي الله عنهم ما منكم من أحد إلا وقد علم مكانه من الجنة أو النار، قالوا ففيما العمل إذا يا رسول الله قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.. الحديث.
فالحرص الحرص أيها الأخوة على أسباب حصول التقوى في هذا الشهر الكريم وغيره فإنها فرصة من فرص العمر قد لا يدركها المسلم مرة أخرى.
* حائل
www.hailQQ@gmail.com