Al Jazirah NewsPaper Friday  12/09/2008 G Issue 13133
الجمعة 12 رمضان 1429   العدد  13133
رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن:
المسابقات القرآنية في المملكة لها آثار بعيدة المدى في نفوس أبناء الأمة

لندن - «الجزيرة»:

أكد الدكتور صهيب بن حسن عبدالغفار رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن أن المسابقات القرآنية التي بدأتها المملكة قبل ثلاثين عاماً، قد قطعت شوطاً كبيراً شب فيها الطفل، وشاخ فيها الشاب، وإنها بحق تركت آثاراً بعيدة المدى في نفوس هذه الأمة، شبابها وشيوخها ورجالها ونساءها، مبيناً أن تعلم القرآن وتعليمه أمر كان سائداً في هذه الأمة منذ أن ابتعثت، وقد اعتنى المسلمون من غابر أزمانهم بإنشاء الكتاتيب والمدارس لتعليم القرآن الكريم، وإجادة قراءته، حتى إنهم في عصور الزوال والانحطاط لم يتركوا صلتهم بكتاب الله تعالى، غير أن الأمة لاحظت أنه لم يكن هناك - على مستوى الحكومات - من يهتم بتدريس القرآن والسنة والعلوم الإسلامية بصفة عامة، فلذلك انصرف الأذكياء من طلبة العلم إلى تعلم العلوم الكونية، ولم يقبل على العلوم الشرعية إلا القليل منهم، حيث لم يكن هناك داع يدعوهم إلى تعلمها إلا الوازع الديني.

وقال الدكتور صهيب عبدالغفار - بمناسبة عقد الدورة الثلاثين لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في مكة المكرمة خلال المدة من (13 - 19-10-1429هـ) المقابل 13-19- 10-2008م - لتفتح لهؤلاء القراء الوافدين من كل أطراف العالم مجالاً يتسابقون فيه في تلاوة كلام رب العالمين بأداء حسن، وترتيل خاشع، مع مراعاة قواعد التجويد، فيبرز خاملهم ويعلو ذكرهم، وقد أجادت الوزارة عندما أضافت إلى الترتيل زاوية التفسير، فإن التلاوة تقتضي أن يكون التالي فاهماً لمعاني القرآن، متدبراً لما فيه من الدرر والجواهر، ويعرف تأويله الحق، وينكر ما هو الزائغ، فإن الأمة في حاجة إلى علماء وفقهاء متضلعين في العلم والفهم، عاملين بالكتاب والسنة، والداعين إليهما على نور وبصيرة.

وخلص رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن إلى أن دور مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية التي جعلت للشباب حافزاً للتوجه إلى كتاب الله قراءة ودرساً وفهما قد جاء، وبدأت الأمة تشعر، وبخاصة الأقليات التي تعيش في دول غير مسلمة، بأن هناك من يهتم بأمرها وأمر دينها، وهناك من يكرم العلم والعلماء، وبالأخص حاملي كتاب الله، وهذا مما جعلهم يعتزون بالإرث الذي يحملونه، والذي يخلفونه لمن يأتي بعدهم.

وأوضح الدكتور صهيب أن هذه المسابقة ساهمت في خلق جيل من الحفاظ الذين اعتنوا بكتاب الله حق اعتناء، ونقلوا هذا العلم إلى من تتلمذ على أيديهم حتى يعدوهم لهذه المهمة التي هي من أشرف المهمات، وقال: ويا حبذا لو سعت الوزارة في عقد مسابقات على مستوى الأقاليم أيضاً، فمرة في شرق آسيا، وأخرى في جنوبها، فإن آسيا قارة واسعة شاسعة، ومرة في أوروبا، وأخرى في أمريكا، وكذلك فيما تنأى من الديار، ثم تختار الوزارة أحسن القراء وأجودهم ليجتمعوا في رحاب بيت الله، فيتم إعزازهم وتكريمهم بأحسن طريق وبأقدس مقام.. ولهذا مما يجعل غير المسلمين - وبخاصة الدهماء منهم - يحضرون الحفلات التي تقام لقراءة القرآن، فيطلعون على شيء نادر خفي عليهم منذ أن خلقهم الله، فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين.

وأشار رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن إلى أن التسابق إذا كان في خير ومكرمة فهو شيء محمود، وأما إذا كان في شيء من حطام الدنيا فهو أمر مذموم، ذكر الله تعالى الأول فقال: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}، وقال في الثاني: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}، والتكاثر لا يكون إلا بالتسابق في حصول الكثير من المال والأولاد، ولا يكون مذموماً إلا إذا أصبح أداة إلهاء عن ذكر الله، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، مشيراً إلى أن الله تعالى قد فتح أبواباً كثيرة لعباده للتسابق إلى الخيرات، ومن أعظمه باب التعامل مع كتاب الله، فالمسلم عليه عدة حقوق تجاه القرآن، وهي الإيمان به أولاً، وتلاوته بالترتيل والتجويد ثانياً، وفهم معانيه والتدبر في مضامينه ثالثاً، والعمل به طول حياته رابعاً، والدعوة إليه خامساً، مشدداً على أنه يجب أن تكون تلاوة القرآن مع الترتيل والتجويد، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، وقال بخصوص قراءته بالترتيل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً، نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يتلو القرآن على مسامع أصحابه، فيأخذون عنه لفظاً وأداءً، ثم يتلونه فيتسابقون في تلاوته بإجادة تامة، حتى قال صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه وهو أبي بن كعب: (أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)، وكان يحب أن يستمع إلى تلاوته، وهو الذي أنزل عليه هذا القرآن.

وأبان رئيس جمعية القرآن الكريم بلندن - في سياق حديثه - أن كثيراً من الأشخاص دخلوا هذا الدين بمجرد سماعهم للقرآن من قارئ حسن الصوت، لأن الاستماع إلى تلاوة القرآن بمجرده قد يفتح آذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فقد مدح الله قساوسة نصارى استمعوا إلى القرآن حتى ذرفت دموعهم، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}، وما دامت هذه آثار القرآن الكريم على مسامع الناس، فليكن المتسابقون يتسابقون فيها، وليكن حظ كل من ساهم في إخراج هذا العلم الجليل حسب جهده الذي بذل فيه، فهذا هو الوالد الذي يبعث بولده إلى معلم القرآن ليعمر حياته بالروح الحقيقية، فيجتمع الولد مع معلمه، فصارا كلاهما مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

وفي الختام قال الدكتور صهيب عبدالغفار: إن الوزارة برعايتها لهذا العمل الجليل وتكفلها لمئات بل آلاف القراء والمجودين، وذلك بتسهيل سفرهم إلى المملكة، وإقامتهم في مكة المكرمة، وتكريمهم بالجوائز والعطاء قامت بخدمة جبارة تجاه الإسلام والمسلمين، بل قامت بواجبها خير قيام تجاه الدين الحنيف وإقامته، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، داعياً الله تعالى أن يجزل المثوبة لكل من وقف وراءها من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه ووفقه لكل خير وجنبه كل شر -، إنه سميع قريب مجيب.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد