تحقيق - محمد بن إبراهيم السبر*
الفقه في الدين يحظى بالأولوية لدى المسلم العادي إذا كان في أمور شرعية يعيشها ويتطلب منه معرفتها لتقوم عبادته على الشكل الصحيح فمن الناس من لا يعرف ما يفطر صومه ولا ما يجرحه ولا ما يفسده، وماذا يسن للصائم، وماذا يجوز له، وماذا يجب عليه وما يحرم عليه؟.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه.. فكأن الذي لا يتفقه في الدين ولا يسأل عن أمور دينه ممن لم يرد الله به خيراً، والله سبحانه يقول لعباده: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وأهل الذكر هم العلماء، فحق المسلم الذي يريد أن يعبد الله على بصيرة أن يسأل عما يجهله من أمر دينه ويبحث عن العلم ويحرص على التفقه في الدين.. وقد مضى من شهرنا (12) يوماً تتطلب منا التنبيه على جملة من المسائل في هذا التحقيق.
معاكس لحكمة الصيام
في البداية وللتعرف على أولى هذه الملحوظات توجهنا للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد المحاضر بجامعة القصيم والداعية المعروف فقال: مما يلاحظ على بعض الصائمين تَبرُّمهم من قدوم شهر رمضان، وتمنيهم سرعة انقضائه، فلا تراهم يفرحون بقدومه، ولا يخطر ببالهم فضائله وبركاته، بل يستقبلونه بتوجع، وتحسر، وكأن الواحد منهم يمنّ على الله وعلى الناس بالصيام.
وعلّق فضيلته على هذه الحالة بقوله: ومن كانت هذه حالة فتراه سريع الغضب، كثير السخط لأدنى سبب، لا يتحمل أدنى كلام، أو مفاوضة وإن هذا الصنيع معاكس لحكمة الصيام، ومنافٍ لهدي السلف الكرام الذين كانوا يفرحون بمقدم رمضان.
التخلف عن الصلاة
وعن التخلف عن الصلاة أو التهاون بها في رمضان وغيره قال الشيخ عائض القرني الداعية الإسلامي المعروف: من أشنع أخطاء بعض الصائمين تخلفهم عن صلاة الجماعة لأدنى سبب وأتفه عذر، وهذا من علامات النفاق ومن براهين مرض القلوب وموت الأرواح، ومنهم من ليس بينه في رمضان وبين القرآن الكريم صلة أو قربى، يقرأ كثيراً لكن في غير القرآن الكريم، ويطالع كثيراً لكن في كتب غير كتاب الله عز وجل، ومن الصائمين من ترك صلاة التراويح وتكاسل عنها ولسان حاله يقول تكفيني الفريضة، وهو لا يكتفي من الدنيا بالقليل بل يحرص على الكماليات منها حرصه على الضروريات.
ويضيف الشيخ الحمد قائلاً: من أخطاء بعض الصائمين: تفويته صلاة العشاء، لأجل إدراك الصلاة مع قارئ مجيد والأولى لهذا أن يبكر بالمجيء، وإذا خشي فوات صلاة العشاء فليصلها في أقرب مسجد، فهي أوجب وأفرض من صلاة التراويح، بل إن صلاة التراويح نافلة في حقه.
التفنن في الإسراف
وعن ظاهرة الإسراف المنتشرة التي تتجلى أكثر في رمضان يقول الشيخ الدكتور القرني: من الأخطاء الإسراف في رمضان في موائد الإفطار والسحور فيُوضع من الطعام ما يكفي الفئام من الناس ويكثر من الأنواع ويفنن في عرض كل غال ورخيص من مطعم ومشرب ثم لا يؤكل منه إلا القليل ويهدر باقيه في النفايات.
وهذا خلاف هدي الإسلام العظيم، قال سبحانه وتعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف من الآية 31)، فكل ما زاد على حاجة الإنسان واستهلاكه فهو إسراف مذموم، ولا يرضى به رب الصائمين ويندرج في قوله تعالى: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.
بذاءة اللسان
ومن المخالفات بذاءة اللسان ويتحدث عن هذه المخالفة الشيخ حمزة بن فايع الفتحي إمام وخطيب جامع بعسير فيقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، رواه البخاري ومسلم، وقال لمعاذ رضي الله عنه: (كُفَّ عنكَ هذا)..
وأشار إلى لسانه، وتساءل لماذا بعض الصائمين -هداهم الله- لا ينفرط لسانه إلا وهو صائم، فيتفوه بما يكدّر صفو صيامه ويُذهب حلاوته، وقال فليتق الله هؤلاء الصُّوام الذين صانوا صومهم من الحلال ولم يصونوه من الحرام.
شهر الجدية
ومما يُلاحظ على بعض الصائمين جعلهم رمضان موسم لعب ولهو وفي هذا يقول الشيخ حمزة الفتحي: إن رمضان شهر عبادة وفضيلة وطاعة وإنابة وخشية، لا يجوز ولا ينبغي أن يُجعل زمناً للملاهي والألعاب وتضييع الأوقات بالضار الفاسد الوخيم ناهيك عن من يقضي وقته في العكوف أمام التلفاز والفضائيات وما يُسمى ب(الدش) ومشاهدة ما يغضب الله تعالى ويخل ويذهب العفة والوقار، من مسلسلات فاسدة وأفلام خليعة ومشاهد هدامة، لا طائل من ورائها، إلا مسخ عقول الأمة وفصلها عن دينها وقيمها، وسلخها من آدابها وأخلاقها وتدمير شبابها ونسائها.. مشيراً إلى أنهم ينبغي أن يتقوا الله الذين أفسدوا صيامهم بالنظر إلى هذه الفضائيات وما تبث من صور عارية ونساء سافرات وموسيقى وغناء فكيف يصوم هؤلاء وقد سبحوا في بحر من الخنا والفحش والمناكر، يحوطون صيامهم بغضب الله تعالى ولعنته وعذابه {ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (سورة الحج 30}، وقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (سورة النور 30).
*إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر