|
تؤكد نتائج الدراسات الحديثة أن المعلومات التي تتداولها شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) عن الإسلام وخصوصا بعض المواقع الإسلامية المنتشرة على هذه الشبكة يشوبها عدم الدقة وتحتوي على الكثير من الأخطاء، وأن الخطابات الدعوية التي تمثل كافة التيارات الإسلامية يغلب عليها الطابع السياسي وانشغالها بالعمل الحركي وتبث الكثير من المفاهيم الخاطئة والفتاوى والأحكام غير الصحيحة والتي في مجملها تسيء إلى الإسلام والمسلمين، الأمر الذي يجعلها في كثير من الأحيان تشوه الإسلام ولا تبين أصوله وقيمه وضوابطه، كما أن المنطلقات الفكرية والخلفيات الأيديولوجية للمسؤولين عن هذه المواقع ملموسة وواضحة وهو الأمر الذي يستغله الأعداء للطعن في الإسلام والزعم أن هناك أكثر من إسلام وأنه دين التعصب والتطرف!! |
في ظل هذه الأخطار التي تستهدف تشويه الإسلام، والدعوة الإسلامية ماذا يتوجب على المؤسسات والهيئات والمراكز الإسلامية.. وكذا المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت القيام به لمواجهة ذلك.. وبالتالي تقديم الإسلام في صورته الواضحة والنقية، وتحمي الدين الإسلامي من التشويهات التي يسعى أعداء الإسلام لإلصاقها بهذا الدين الحنيف وتعاليمه وقيمه وآدابه جراء ما يرتكبه أبناء الإسلام من أفكار ومفاهيم خاطئة ومتعصبة؟ |
|
بداية يوضح الشيخ عبدالمنعم بن سليمان المشوح - المدير التنفيذي لحملة السكينة، أن في آخر دراسة علمية أوروبية بينوا أن انشغال الشباب بالإنترنت يفوق انشغالهم بالتلفزيون بمعدل (10%)، بالإضافة إلى أن طبيعة الإنترنت التفاعلية تجعل تأثيرها أضعاف تأثير الوسائل الأخرى؛ لذلك نشاهد قفزات كبيرة في نسبة المتابعين للإنترنت فقبل ثمان سنوات كان عدد المستخدمين للإنترنت في السعودية 300.000 بينما إحصائية العام الماضي وصل عدد المستخدمين ثلاثة ملايين! |
فالشبكة العالمية حق مشاع لكل أحد، ولكل صاحب فكرة ومنهج الحق في طرح ما لديه بالصورة التي يختارها، وهذا من أكبر أسباب توسع دائرة تأثير مواقع الإنترنت على الحياة العامة، وكثرة المتعاملين مع الشبكة، ففي كل سنة تتضخم قاعدة المتعاملين مع الإنترنت، وتتنوع المشاكل التي يتركها هؤلاء أو يبحثون عنها، فالجريمة والإرهاب والسرقات والفضائح والابتزاز.. وغيرها من قائمة المفسدات التي أصبحت تجد في عالم الإنترنت أرضا خصبة ورحبة لممارسة أدوارها السيئة، وقد كان لتشويه الدين الإسلامي حظا موفورا من المواقع والمنتديات والمجموعات المغلقة والمفتوحة وللأسف تسيء للإسلام باسم الدين الإسلامي، فالعدو المغاير لك ضرره أقل ممن يتلبس بلباسك وينقل صورة سيئة ومشينة عن دينك وفكرك ومعتقداتك. |
فلا نستطيع في هذه الأجواء المفتوحة أن نحجب أو نمنع هؤلاء من الدخول والتأثير في الشبكة العالمية، لكننا نستطيع أن ننتج مشاريع وبرامج تحد من خطرهم وتقلل من ضررهم، وتجعلهم مهمشين لا قيمة لهم. |
|
ويطالب المشوح المؤسسات الإسلامية، والجهات المعنية بالدعوة والإرشاد وتبصير الناس بالدين الإسلامي بصورته المعتدلة الصحيحة، أن يتحركوا في اتجاهين: |
الأول: البناء من حيث بناء مواقع، ومنتديات، وقواعد معلوماتية صحيحة وسليمة عن الإسلام، وأن يقدموا ذلك بصورة مهنية قيمة ونافعة وجذابة. |
فلكل عالم مرجعيته العلمية، فكما أن المكتبات العامة ومكتبات الجامعات هي مرجع الباحثين في أرض الواقع، كذلك المواقع الرصينة ذات القيمة التقنية والمعلوماتية هي المرجع للباحثين في عالم الإنترنت وهو العالم الافتراضي، والذي أصبح يزاحم العالم الملموس الحقيقي، ولا أحد يستطيع أن يقول للناس لا تقرؤوا المواقع (السيئة) والتي تظهر الدين الإسلامي بشكل من الوحشية والسوء، لكنك تستطيع أن تقول لهم تعالوا واقرؤوا في موقعي، وتوجد الآن مواقع إسلامية جيدة، قد نعتبرها بدايات للمواقع التي نطمح إليها والتي تظهر الدين الإسلامي بصورته الكاملة الصحيحة، والتنوع مطلوب في أساليب العرض، كما أن التخصص مطلب أساس، فهذه مواقع تعنى بالفتاوى، وتلك مواقع تعنى بالجوانب العقدية، ومواقع في الفقه والتفسير.. وتظل الحاجة قائمة إلى وجود مواقع شمولية تختصر على الباحث الدين الإسلامي وتظهر أهم الجوانب فيه. |
الثاني: الهدم وهو في حقيقته بناء لكنه في صورة هدم، فالداعية والناصح والمصلح دائما يبني.. حتى في هدمه، فلابد في الحقيقة من كشف الشبهات، وتفتيت تلك الأفكار السيئة المغلوطة عن الإسلام، بخاصة الصادرة من جهات أو جماعات إسلامية، فيوجد مواقع كثيرة لديها تصورات غير صحيحة في العقيدة ومنافية لكلمة التوحيد، وهناك مواقع تسوق لأفكار قتالية بحتة وكأن الإسلام هو السيف فقط! ومواقع تجعل الإسلام دعوة سياسية أو حزبية محصورة في رموز وشخصيات معدودة.. |
إن هذه الأفكار تحتاج إلى حوار.. إلى نقاش.. إلى إيضاح، وهذا البيان يكون نصيحة لأصحاب هذه المواقع، وكذلك للجمهور والقراء. |
وإذا تبين ذلك فأتمنى من الجهات المعتبرة أن توجد رابطة للمواقع الإسلامية الصحيحة، وتضع الضوابط والحدود والشروط، ويكون لهذه الرابطة تأثيرها وتخدم المواقع المنخرطة في برامجها، كذلك أقترح إيجاد (علامة جودة) للمواقع الإسلامية ترعاها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وهي مؤهلة لذلك، وأقترح تخصيص دراسات أكاديمية للمواقع، فهي الآن تستحق المتابعة والدراسة والتحليل نظرا لتأثيرها في الفكر والعقيدة والآداب والأخلاق. |
|
ويقول الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد - القاضي بالمحكمة العامة بالرياض: إنه مع كون الشبكة العنكبوتية ذات فوائد عظيمة حيث فتحت آفاق المعرفة، وأتاحت التعرف على ما عند الآخرين من خير.. إلا أن شرورها تصل إلى الناس بقدر سعة انتشارها وسرعة النفاذ إليها، ولهذا كان خطرها عظيما وآثارها غاية في التدمير. |
ومهما كان اتجاه المنحرفين ممن يستغل هذه الشبكة لدعم أهدافه.. سواء كانت ليبرالية متطرفة أو عليمة غالية أو إباحية مفسدة فإن الجديد في خطر هذه الوسيلة هو أن غالب أحوال أولئك المفسدين هو قدرتهم على طرح ما يريدون مع إمكانية تنصلهم عن أي مسؤولية شرعية أو أمنية أو حتى أدبية، وهنا مكمن الخطر؛ حيث يضع المفسد سمه دون أن يحسب أي حساب لمؤاخذته.. فلا تسأل عن الكذب الزور والتخبط وانعدام المسؤولية في جميع مجالاتها. |
على المؤسسات العلمية والدعوية مهمة كبيرة ومسؤولية عظيمة في التصدي لحملات تشويه الإسلام بوسائل عدة منها: |
1- إنشاء مراكز متخصصة لرصد ما ينشر على الشبكة في هذه المجالات، وتصنيفه والقياس الدقيق لمدى خطره ودرجة انتشاره، وإحالته إلى أقسام متخصصة لدراسته وتقديم المقترحات لمواجهته. |
2- أن توجه وسائل الإعلام لمعالجة مثل هذه الظواهر بنفس درجة انتشارها وتأثيرها، لا أن تنشغل بما لا نفع فيه، أو بما نفعه أقل من غيره. |
3- أن يفرغ أو يدعم مجموعة من المتخصصين للرد الفوري على ما يطرح في ذلك الفضاء بما يكشف الشبهة وبيان الموقف الصحيح لا أن يترك الشباب هملا توجههم خفافيش الليل. |
4- إنشاء مواقع ومنتديات وقنوات تسهم في دعم البناء الفكري والتربوي لا تنشغل بالرد المباشر على هذه المواقع والمنتديات، وإنما تنشغل بالبناء الإيجابي فقط. |
5- تفعيل منبر الجمعة لحرب مثل هذه الأفكار؛ فقناعة الناس بخطيبها أعظم من مجهول مغرض. |
6- توسعة الحرية في بعض المواقع بقدر ما تقتضيه المصلحة، وتدفع به مكائد الكائدين، وبما يفوت الفرصة على المغرضين. |
|
أما الشيخ عبدالمجيد بن محمد العُمري - مدير عام إدارة المؤتمرات والعلاقات الخارجية بوزارة الشؤون الإسلامية فقال: إن الاستفادة من التقنية الحديثة في الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - محدودة جدا، قياسا بما تلقاه دعاوى التنصير، ودعاوى الفرق المنحلة، ومع هذا القدر الضئيل من الاستفادة من التقنية الحديثة، وعلى رأسها الإنترنت، فهناك مواقع تسيء للإسلام والمسلمين، وتقدم معلومات مغلوطة للمسلمين وغير المسلمين، أكثر مما تفيد، ولا تقف عند حدود اللغة العربية مع الأسف، بل إنها تنتشر بلغات عديدة، مما يضخم المشكلة، في الوقت الذي نحتاج فيه للتعريف الصحيح بالدين الإسلامي، والدعوة إليه لدى غير المسلمين، وتوضيح الصورة الوسطية للإسلام بأحكامه وتشريعاته السمحة، بعيدا عن الغلو والفكر والمتطرف الذي يلصقه الغرب بالإسلام، ويؤكده أفعال البعض من المنتمين للإسلام في الميدان العام، أو على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).. ولسنا بالتأكيد بحاجة إلى تحسين صورة الإسلام، فهو غني عن ذلك، ولكن تصحيح الصورة المغلوطة، فكلما قامت جهود ومحاولات من ولاة الأمر، والعلماء، جاء من يهدم ذلك ببيانات وأعمال تنافي صورة الإسلام السمحة، وصدق الشاعر حين قال: |
متى يبلغ البنيان يوما تمامه |
إذا كنت تبني وغيرك يهدم |
والأمر لا يقتصر على صورة الإسلام في الغرب فحسب، بل هناك من لا يزال في بداية طلب العلم، ووضع موقعا إسلاميا، وأصبح وأمسى يتلقى الرسائل، ويتصدى للفتوى، ولربما تناول من المسائل من استشكل على المجامع، وهذا الأمر يتوجب تدخل المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، ويمكن معالجة الموضوع ببعض المقترحات، ومنها: |
- حث الدعاة الرسميون المعتمدون في وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية، والقضاة، وأساتذة كليات الشريعة، على المشاركة في المواقع الإسلامية المتميزة التابعة لجهات وأشخاص موثوق بهم. |
- تمييز المواقع الجيدة والرصينة في العالم الإسلامي بمنحها شهادات وإجازات معتمدة توضع على صدر صفحاتها الأولى في الموقع، وكذلك تزكية كبار طلبة العلم لبعض المشرفين على الموقع. |
- تولي بعض كبار الدعاة والمشايخ على بعض المواقع، ومتابعة ما ينشر فيها، وخاصة في ركن الفتاوى، والقضايا المهمة، والمستجدات، وبالتأكيد فإن حجب المواقع غير مثمر لأن الناس دائما ينشدون الممنوع، فكل ممنوع مرغوب. |
|