د. حسن الشقطي *:
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 8128 نقطة خاسراً 377 نقطة عن الأسبوع الماضي.. وقد لحق بالسوق هذا الأسبوع اضطراب ربما هو الأعنف منذ بداية العام، حيث هبط بحوالي 460 نقطة يوم السبت، ثم خسر 137 نقطة أخرى يوم الأحد، تلاها ارتداد يوم الاثنين ليربح 338 نقطة، وأكمل أسبوعه متذبذباً بين هبوط وصعود.. فما الذي حدث؟ ولماذا هذه الدورات القصيرة المتسارعة؟ ومن المستفيد والخاسر فيها؟
كيف حدثت أقصر دورة اقتصادية؟
هي دورة هبوط قوية تلاها صعود قوي حدث خلال ثلاث جلسات تداول فقط فيما لم يتجاوز 12 ساعة.. فتفاعلاً مع قرار تعديل وحدة تغير السعر، هبطت كافة أسهم السوق يوم السبت الماضي بقيادة سابك وبترورابغ ومعادن والإنماء.. وقد استحوذت هذه الأسهم الأربعة على حوالي 42.7% من السيولة المتداولة بشكل خسر معه المؤشر 5.4% من قيمته.. واستمر الوضع النزولي يوم الأحد ولكن بنسب أقل.. وفجأة وبدون مبررات معروفة دخل المؤشر يوم الاثنين الماضي في مسار صعودي قوي بقيادة ذات الأسهم الأربعة والتي استحوذت على 39% من إجمالي السيولة المتداولة.. والأمر المستغرب أن هذه الأسهم استردت نفس النسب تقريباً التي خسرتها يوم السبت الماضي.. أيضاً تساوت القيمة المتداولة في يومي السبت والاثنين بشكل ملفت للنظر عند مستوى 6.2 مليار ريال.
من الذي باع بهذه الخسارة ومن الذي اشترى في عز الخوف؟
إذا كان البائعون هم أنفسهم المشترون فقد لا تكون هناك تغيرات كبيرة، ولكن إذا اختلف البائعون عن المشترين، فإن هناك أطرافاً قد ربحت أرباحاً مهولة على حساب أطراف أخرى.. باختصار لدينا أربعة أطراف كما يلي: (1) بائعون خاسرون يوم السبت، و(2) مشترون واثقون يوم السبت، و(3) بائعون رابحون يوم الاثنين، و(4) مشترون غير محدد مصيرهم يوم الاثنين.. أي أن الأطراف (2) و(3) هي أطراف رابحة بقوة على حساب الطرف (1).. ولعل قوة البيع التي حدثت يوم السبت الماضي لم تكن لتأتي سوى من أطراف قوية وتمتلك كميات كبيرة في أسهم ثقيلة مثل سابك ومعادن والإنماء.. فمن هم كبار الملاك في هذه الأسهم الذين ضحوا بأجزاء مما لديهم فيها؟
سابك تستحوذ على نحو 19% من القيمة المتداولة يوم النزول القوي:
من الأمور المعتادة أنه إذا كانت خسائر سابك تفوق خسائر المؤشر، فيمكن القول بأن سابك هي السبب في هبوط المؤشر، أما إذا كانت خسائر المؤشر تفوق خسائر سابك، فيمكن القول بأن هبوط المؤشر هو السبب في الضغط على سابك.. ويوم السبت الماضي لوحظ أن سابك انخفضت بنسبة 8.1%، في حين خسر المؤشر حوالي 5.4% فقط.. أكثر من ذلك فإن القيمة المتداولة لسابك في هذا اليوم بلغت حوالي 1.2 مليار ريال، في حين أن القيمة المتداولة للسوق ككل لم تتجاوز 6.2 مليار ريال، أي أن حجم المبيعات في سابك وصل في هذا اليوم إلى حوالي 18% من إجمالي السوق.. إن هذه الأرقام لتؤكد أن هناك توجهاً من أطراف معينة لتهبيط سابك عمداً ومن ثم تهبيط المؤشر قصراً.. إن البيع عند الخوف غالباً ما يمتد أو يبدأ بالأسهم المضاربية ثم الأسهم الخفيفة ثم الأسهم غير الرابحة أو بالأحرى الأسهم غير المغرية.. ولكن سابك افتتحت يوم السبت عند سعر 110.25 ريال وهو سعر مغرٍ وغير مخيف وبمؤشرات مالية جذابة جدا، فلماذا تم البيع فيها بهذه الخسارة؟
استعادة المسار الهابط بعيد المدى
جميع المحللين أصبحوا مترددين في التحدث عن المسار الهابط بعيد المدى.. نعم السوق لا يزال على المدى البعيد يسير في مسار هابط.. وما حدث في بداية هذا العام من تحليق المؤشر عند 11895 نقطة ما هو إلا موجة ارتدادية يعيش السوق الآن آثار انتهائها.. ولكن ذلك لا يعني انتهاء كافة الارتدادات، ولكن في نفس الوقت لا يوجد ما يضمن عدم معاودة القاع عند 6900 أو حتى كسره، وخاصة في ظل الاضطرابات التي يعاني منها السوق في مجمله. باختصار السوق لا توجد به نقاط دعم يمكن أن تمنع الانحدار المفاجئ للمؤشر، وذلك لعدم وجود صناع التوازن.
الثقة المفتقدة في السوق
رغم أن الأسعار متدنية ورغم أن حجم السيولة المنتظرة ضخم وهائل ورغم وجود قوة طلب واستعداد حقيقي للشراء والدخول الاستثماري، إلا إن الجميع لا يثق في الجميع.. فكافة الأسواق يكون لديها سنوياً تقريباً نقاط مانعة يصعب اقتراب المؤشر منها.. ويكون لديها مهدئات، ولا يكون لديها دورات قصيرة حادة إلا في أحلك الظروف.. فمؤشر NASDAQ خلال السنة الأخيرة تمثل مداه في 2155- 2861 نقطة بمعدل تغير 33%، في حين تمثل المدى السنوى للسوق المحلي في 7633- 11697 نقطة بمعدل تغير يصل إلى 53%.. وذلك رغم أن قدر الحرية التي يمتلكها السوق الأمريكي لا يقارن بمستواها في السوق المحلي.. فالسوق المحلي نالته إصلاحات قوية ويفترض أن يكون قد أصبح أو بدأ يصبح استثمارياً، فما هو معنى الاستثمار؟ هل هو حرية الاضطراب أم انضباط الحركة؟ ما هو مستغرب أن الكثير من المستثمرين الآن يرغبون في الاستثمار في السوق ولكنهم خائفون من أن لا يقبل السوق استثماراتهم.
دور هيئة السوق
أنا أعتقد أنه على هيئة السوق الآن التدخل صراحة لتعزيز هذه الثقة المفتقدة.. إن الأمر لا يحتاج إلى مهدئات غير مباشرة, بل يتطلب تدخلاً صريحاً لتوضيح ما يحدث ولإبراز أن السوق عند قاعه، وأنها لن تسمح بنزوله إلى مستويات انتهازية أخرى لكبح جماح الخوف من مفاجآت جديدة.. إن السوق في حاجة ماسة لإيقاف كافة التعديلات والإصلاحات في السوق ليستريح المتداولون.. لأنه ببساطة سوق ببعض العيوب أفضل من سوق بلا متداولين.
الأوامر الملغاة وفواقد السيولة المتداولة
أعلنت شركة (تداول) أنها ستلغي الأوامر المخالفة لوحدة التغير السعرية الجديدة، ويتوقع أن تكون قيمة هذه الأوامر كبيرة في الأيام الأولى لتطبيق النظام.. وجزء من أخطاء هذه الأوامر هو خطأ نتيجة عدم استيعاب النظام الجديد، وهي أخطاء شخصية ناجمة عن عدم فهم التعامل مع النظام.. في حين أن الجزء الآخر هي أخطاء نظامية نتيجة تحرك العديد من الأسهم على المحك ما بين فواصل وحدات التغير السعرية، فبعض الأسهم تتداول بوحدات تغير سعرية متعددة داخل اليوم الواحد مثل الأسهم التي تتحرك ما بين مستويات 24 إلى 26 ريالاً ينبغي أن تعالج بوحدات مختلفة حسب مستوى السعر.. وأنا اعتقد أن هذه المعضلة هي أحد أبرز مساوئ النظام الجديد والتي تم ترك حلها للمتداولين الذين ستتشتت أذهانهم ما بين التحرك بوحدات تغير سعرية مختلفة من عملية لأخرى. إن النظام الجديد ربما كان الوقت المناسب له هو نظام قصر التداول على الوسطاء من خلال مقصورة موحدة، بشكل مشابه للعديد من الدول الأخرى.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com