في رمضان يهرع المسلمون إلى قراءة القرآن الكريم وزيارة المسجد للصلاة والعبادة فهو موسم التطهر من الذنوب وخلاصة الأنفس من الضغائن وصفاء القلوب من المماحكاة، فإن تم ذلك فإن المجتمع المسلم سيكون أكثر تماسكا وسعادة وقبل ذلك كله قريبا من الله، وسيكون أكثر قدرة على إقناع الغير بأن حقيقة الإسلام أفضل بكثير مما يمارسه المسلمون الآن.
وأن فيه من الفضائل ما يجعل البشرية جمعاء أكثر عدلا وإنصافا واحقاقا للحق، ولكن علينا قبل أن نحاول إقناع الآخرين أن نسلك سلوكا نعطي به نموذجا يحتذى وطريقا يوضح حقيقة الإسلام وليس كما هي ممارسات بعضنا التي لا تتفق مع مبادئ الإسلام أو حتى القيم الإنسانية، التي هي في الواقع تدخل تحت بوتقة الإسلام في أغلبها.
أذكر أن أحد معارفي حدث له حادث في أول يوم من هذا الشهر الكريم، وكان قد أمَّن على سيارته وتاريخ التأمين على سيارته ينتهي في اليوم السابق ليوم الحادث، فطلب ممن وقع الحادث معه، ومن الشرطي الذي سيكتب المحضر أن يكتبه بتاريخ الأمس حتى يكون الحادث ضمن تاريخ التأمين، فيخلص من دفع مبلغ إصلاح السيارة لتتولاه شركة التأمين، ولكن الشرطي والطرف الآخر أبيا وأصرا على أن يكون التاريخ المكتوب هو تاريخ اليوم الذي حدث فيه الحادث وأنه لا يمكنهم فعل غير ذلك، وجاءني في الصباح مكسور الخاطر يقص علي قصته. فحمدت الله على سلامته وضحكت ضحكت المستغرب، وقلت كيف يخطر على بالك أن تفعل هذا وأنت رجل مسلم صائم تحافظ على الصلاة، كيف تسول لك نفسك أن تكذب وتأخذ مال غيرك دون وجه حق؟ وتقول إنني مسلم وصائم؟ فقال: ما الضير فمن سيقوم بتحمل التكاليف، شركة التأمين وليس الطرف الآخر، أو الشرطي، وشركة التأمين شركة قوية لا يهمها بضع دريهمات تدفعها عن رجل مستور مثلي.
لك أن تتصور جوابا كهذا لتعرف أن قليل منا إن شاء الله مع فضله ودينه وحسن خلقه، قد لا يتورع أن يحاول التحايل دون وجه حق متذرعاً بأعذار واهية لإقناع نفسه بأن ما يفعله مبرراً، ولا يتعارض مع إيمانه.
الإسلام إيمان بالقلب، وممارسة بالجوارح، وليس مبررات نسوقها لتغليب الهوى ونيل المراد، والإسلام دين معاملة وفروض وواجبات وسلوك قويم محدد المعالم، لا يسير وفق نص مجرد وإنما نص وإيمان، ومن خلال الإيمان يتم التطبيق، وليس فقط التماس مخرج، وبحث عن مبرر.
الإسلام معاملة (الدين معاملة) وممارسة وخلق قويم، من خلال التطبيق على الذات يكون الإسلام أكثر وضوحاً وأظهر للغير، غير أن بعضا منا يريد للآخرين أن يمتثلوا بينما يبحث لنفسه عن مبررات يسوقها لتحقيق غاية مستهدفة.
إذا كانت الغاية الوصول إلى الهدف بغض النظر عن الصواب ففعل الفاعل هذا لا يحتاج إلى مبرر بل من الجدي فعل الفعل دون سوق المبررات التي لا طائل منها.
ما يميز المؤمن عن غيره أن هناك رقيبا داخليا يردعه عن مجافاة الصواب وعاملا ذاتيا يقربه إلى التماس الهدى، وسلوك للتماشي مع تعاليم الدين، وليس له مطلب غير الحق، وطالب الحق لا يبحث عن مبررات مع علمه به. أفعال نمارسها في معاملاتنا اليوم تحقق لنا غاية دنيوية لكن بعضنا خلال تلك الممارسة قد لا يستحضر الإيمان ويسير لهدفه ممتطياً جواد المبررات أو عدم المبالاة فيسعد ببلوغ شاءه، مع أن مسلكه خاطئ، وندعو لله أن يملأ قلوبنا بالإيمان، وأن يزين سلوكنا ومعاملاتنا به.