مثل كل العلوم، تطورت العلوم السياسية كثيراً، وانعكس هذا التطور على الكثير من تصرفات وسلوك العاملين في الشؤون السياسية الدولية، سواء في إدارة الدول أو الوزارات المختصة، وحتى المحللون وأساتذة العلوم تطورت أفكارهم وأدواتهم. ويلاحظ أن العصر الحالي الذي يتميز بالسرعة والشفافية وشيوع المعلومة يشهد تحسناً كبيراً في علاقات الدول، وأصبحت الدول وقياداتها والدوائر السياسية لها قابلية واستعداد أكثر للتعامل مع المتغيرات إيجابياً سعياً لتحقيق الأفضل. وهكذا أمكن معالجة كثير من الأخطاء والتراجع عن مواقف وحتى قرارات لم تؤدِ الغرض الذي من أجله اتخذت.
هكذا تسير الدول وتتعامل مع المتغيرات من أجل التطور، إلا في الدول العربية، فبدلاً من أن تتوحد كلمة العرب ويكون هدفها واضحاً خدمة للمصالح العربية وفق إستراتيجية واضحة، نرى أن الانقسام واضح في المواقف، وإن التزم الجميع بالأهداف إلا أن الانقسام الحاصل بين الدول العربية نتيجة اصطفاف بعض الدول حول قوى إقليمية والسير خلف دولة معينة خدمة لمصالحها على حساب المصالح الوطنية والقومية العربية، والتفاف دول أخرى حول قوى أجنبية ثبت سعيها وعملها لصالح قوى دخيلة على المنطقة أدى إلى حالة التشرذم والخلاف، بل وحتى الاقتتال الذي أصبح يهيمن على العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية بعد أن أصبح الفلسطينيون فريقين، فريق يعمل ويخدم توجهات إيران ومن يعمل معها، وفريق آخر يراعي شروط ومطالبة أمريكا وبالتالي تلبية مطالب إسرائيل، وكلا الفريقين لا يخدم القضية الفلسطينية، فيما بقي الفلسطينيون الآخرون، وهم الأكثرية المغلوبة على أمرها، تنتظر أن يفرج الله كربها، وأن يعيد الصواب لقادة فصائلها الذين عرقلوا كل المبادرات والجهود العربية الصادقة والهادفة إلى وقف الانقسام والعودة إلى جادة الصواب.
ولهذا، ولأن استمرار هذا الانقسام الذي يتجه نحو الاقتتال، قد أضر بالقضية الفلسطينية، وجعل الجانب الفلسطيني بل وحتى الجانب العربي ضعيفاً في مقارغة الأعداء لانتزاع الحق الفلسطيني، فإنه يتوجب اتخاذ موقف عربي حاسم اتجاه أي فصيل أو جهة عربية أو فلسطينية تعرقل توحيد صف الفلسطينيين، وتعمل على استمرار الانقسام وتعميقه خاصة في ظل تكرار المبادرات العربية... وأيضاً تكرار عدم القدرة على تنفيذها.
ومثلما أكد الأمير سعود الفيصل على وجوب الشفافية والصدق في التعامل مع القضايا العربية، فإن الواحب محاسبة وكشف الجهات التي تعرقل إعادة الصفاء للموقف الفلسطيني وتعمل على استمرار الانقسام، وأن تُكشف تلك الجهات وتُحاسب إن كانت فلسطينية أو عربية.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244