ما دعاني لكتابة عن هذا الجانب المهم وتحت هذا العنوان كمتخصص في هذا الحقل هو ما تطالعنا به صحفنا اليومية من مشكلات قلة توافر الرحلات الداخلية، وكان آخرها ما كتب بصحيفة محلية نقلا عن مجلس الشورى اقتراح بفتح المزيد من تصاريح الطيران كحل لزيادة الرحلات الداخلية وسد النقص بها.
فالطيران الاقتصادي هو عبارة عن شركات توفر وتقدم للمسافر أجرة سفر منخفضة مقابل التخلص من الكثير من خدمات المسافر التقليدية وإن كان هذا التعريف غير دقيق ولكن هو الأقرب لهذا المفهوم من الطيران المنخفض التكلفة، ومنبع نشوء الفكرة هو الولايات المتحدة الأمريكية وقبل انتشارها في أوروبا بداية عام 1990م ولاحقا لبقية أنحاء العالم. وتعتبر شركة باسفيك ساوث ويست ايرلاينز الأمريكية أول من ابتدع هذا المفهوم من السفر الجوي في العام 1949م في الولايات المتحدة الأمريكية. وسجل هذا المفهوم نجاحات عديدة في مناطق عديدة من العالم ففي أوروبا تعتبر شركة أيزي جيت من الشركات المتميزة في هذا الجانب، وفي آسيا تميزت شركة الخطوط الآسيوية الماليزية به عام 2000م. وانتشر هذا المفهوم عبر قارات العالم وحقق العديد من النجاحات وسيكون الإسهاب هنا عن انتشار هذا المفهوم بدول الخليج العربي وخاصة فيما يتعلق بمطاراتنا، حيث إنه بدأ بالانتشار السريع في الشرق الأوسط، ففي دول الخليج العربي تأسس طيران العربية وبالتحديد في فبراير عام 2003م وبدأت عملياتها في أكتوبر العام نفسه من مطار الشارقة وخطوط الجزيرة الجوية بالكويت قررت استهلال عملياتها الجوية بهذا المفهوم الاقتصادي في أكتوبر عام 2005م ونقلت أكثر من نصف مليون مسافر في العام الأول لتشغيلها، وبدأت شركتا سما وناس في المملكة العمل بهذه الفكرة ببداية 2007م.
أما مملكة البحرين فبدأ طيران البحرين العمل به ببداية عام 2008م الذي يسعى بدوره إلى السيطرة على 26% من السوق الخليجية.
ونبدأ بشركة الطيران الاقتصادية الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي العربية للطيران التي يتكون أسطولها من 14 طائرة من نوع A320 حديثة الصنع تسير في رحلات مباشرة إلى أكثر من 42 وجهة في أكثر من 19 بلدا. ولقد أسهمت العربية للطيران بعد انطلاقها في زيادة أعداد المسافرين المستخدمين لمطار الشارقة الدولي حيث كان مجموع حركة مسافريه بنهاية عام 2003م المتزامن مع بداية انطلاق رحلات العربية (1.247.458) مسافرا ثم تضاعف هذا العدد عدة مرات بنهاية عام 2007م حيث وصل الرقم إلى (4.324.313) مسافرا. أما الآن وفي منتصف سنة 2008م فقد وصل أعداد المسافرين على متن العربية للطيران إلى ما يقارب السبعة ملايين مسافر.
أما على مستوى المملكة فهناك شركتا طيران سما وناس اللتان بعد أن ركزتا في المرحلة الأولى على الطيران الداخلي بدأتا في التوسع إقليميا.
وتغطي (سما للطيران) التي تنطلق من الدمام 12 وجهة داخلية، و10 وجهات دولية، ويتكون أسطولها حالياً من 7 طائرات من نوع البوينغ وتخطط لزيادة عدد الأسطول الكلي للشركة بين 20 - 25 طائرة بحلول عام 2010م بينما يشغل (طيران ناس) حالياً 365 رحلة أسبوعيا إلى 26 محطة داخلية تنطلق من العاصمة الرياض ويتكون أسطولها من 7 طائرات من نوع إيرباص وبوينغ. وتواجه شركتا سما وناس والهيئة العامة للطيران المدني العديد من الانتقادات من المسافرين الذين لم يعد بمقدورهم السفر إلا على هاتين الشركتين بعد أن تسلمتا عددا من الخطوط الداخلية تحت إشراف الأخيرة وهذه الخطوط كانت تديرها الخطوط الجوية العربية السعودية الناقل الرسمي للدولة. ومسؤولية التخلي عن الخطوط الداخلية الإلزامية وإن كان محدودا سواء بهدف الربحية أو تفادي الخسائر المتتالية تتوزع على الأطراف كلها التي تواجه تحديات صعبة وخاصة هاتين الشركتين تتلخص في أسعار الوقود وثبوتية أسعار التذاكر الداخلية إضافة إلى تدني نسب الإركاب الداخلية. إضافة إلى المواطن، ربما كان الصالح العام هو من يدفع الثمن أيضاً إذا استمر الحال كما الآن.
ولو أمعنا النظر في العوائق الثلاث لوجدنا أن العائق الأول مشكلة عالمية بسبب ارتفاع أسعار البترول غير المسبوق مما أدى إلى ارتفاع كلفة التشغيل بل إن هناك 24 شركة طيران أفلست خلال العامين الماضيين وسط توقعات بأن يقع المزيد من الشركات ضحية الإفلاس، إذا استمرت أسعار البترول في الزيادة مستقبلا الذي أكده المدير الاقتصادي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (آياتا) براين بيرس، أما العائق الثاني فهو عائق بيروقراطي وغير واضح المعالم. وأما العائق الثالث والأخير فربما تعود أسبابه للقلة السكانية في بعض المناطق وخاصة الشمالية أو الجنوبية أو ضعف الجذب والإقبال السياحي أو ندرة الحركة التجارية أو الصناعية في تلك المناطق إضافة إلى الضعف التسويقي والتخطيطي، وعلى الرغم من ذلك فإنه من السهولة بمكان التغلب على هذا العائق فشركة سما نجحت في ذلك حيث إنها قامت باستخدام طائرة في اعتقادي أنها من نوع (جيت ستريم) وخصصتها لمقابلة نسب الإركاب المتدنية وتقليل كلفة التشغيل.
فالبيئة التنافسية الحالية التي تعترك شركاتنا الوطنية فيما بينها لم تحقق أهداف الجودة المرجوة منها وخاصة فيما يتعلق بتوافر المقاعد والتقيد بالمواعيد المحددة، فلماذا لا تبني شركتا سما وناس تحالفا استراتيجيا مع الخطوط السعودية وتكون بذلك قد استفادت من التسهيلات المالية والإدارية المقدمة من الدولة للخطوط السعودية وخاصة فيما يتعلق بأسعار الوقود وهو أكبر تحد تواجهه اليوم كل الشركات العالمية وخاصة الاقتصادية منها، فتوجه شركتا سما وناس للرحلات الإقليمية لا يعني ضمان استمرار النجاح خاصة في حال استمرارية ارتفاع أسعار البترول.
وهذا التحالف كما هو نجاح لشركتي سما وناس فهو نجاح للخطوط السعودية بتشكيل جناح اقتصادي لها خاصة أن بعض الشركات العالمية التقليدية بدأت اليوم تتوجه إلى التحول الاقتصادي أو تكوين جناح اقتصادي لها لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية أمام شركات الطيران الاقتصادي التي بدأت تغزو الشركات التقليدية في عقر دارها.
وبالتحالف تستطيع ناقلاتنا الجوية تغطية المسارات الداخلية ومجابهة الشركات الاقتصادية المجاورة لنا وتشغيل مطاراتنا وبالتالي تحويل الاستفادة من السوق السعودية داخليا.
*ماجستير علوم إدارة وتخطيط المطارات
mohammadaljabri@hotmail.com