لا أتفق إطلاقاً مع من يمارسون التقليل من عطاء الآخر أياً كان هذا العطاء فالمنتج الإنساني مهما كان يتطلب كما نعلم جهداً مضاعفاً، فالقصيدة مثلاً أو اللوحة أو القصة أو حتى القطعة النثرية أو خلاف ذلك من معطيات إنسانية تتطلب المزيد من البذل حتى يصل هذا المنتج بضم الميم إلى مرحلة مقبولة من المتلقي وبالتالي فهو استخدم كل معطياته الفكرية والإبداعية والنفسية والثقافية والذهنية والجسدية للوصول إلى هذه النتيجة وبغض النظر عن كمالية الأداء أو جودته يظل جهداً إنسانياً بذل في سبيل عرضه على المتلقي الكثير من الجهد والوقت والبذل والعطاء.
ومن هنا فإن ما نسمعه أحياناً من قيام البعض - أقول البعض لأن الغالبية لدينا والحمد لله يقدرون عطاء الآخر. لكن أن يظهر علينا البعض أحياناً ليمارسوا التنظير، والتقليل من العطاءات الإنسانية ووصفها بأوصاف خارجة عن النص فهذا هو الحال المايل الذي أعتقد من وجهة نظر شخصية أنه يجانب الصواب بل إنه ربما يندرج أحياناً تحت عباءة النقد الجارح الذي يستهدف الشخص نفسه ولا يستهدف منتج الشخص أياً كان بما يؤكد أن تغليب النظرة الشخصية على النظرة النقدية للمنتج نفسه، ومن هنا أيضاً فإن ما نشاهده وما نسمعه في مجال التشكيل من قيام البعض بالتقليل من عطاءات البعض من المنشغلين في هذا المسار الجمالي هو في واقع الحال معول هدم لا بناء وبالتالي فإن مثل هذا النوع من الممارسات سوف يلقي بظلاله السلبية على مسار الحركة التشكيلية برمتها. فما معنى أن يأتي أحدهم مثلاً ويصف إنجاز شاب أو شابة في بداية المشوار ومن هم بحاجة إلى الدعم والتشجيع بأوصاف ونعوت بعيدة كل البعد عن النقد الهادف أو أن يأتي أحدهم أيضاً ويقلل جهد زميل له من التشكيليين وأنه عمل (مسلوق) أو خلاف ذلك.. إن مثل هذه الممارسات الخاطئة هي واقع ملموس ومحسوس في مجالنا التشكيلي ومن هنا أيضاً فإن من واجبنا ككتاب ونقاد ومختصين في هذا الجانب أن نشير إلى مثل هذه الممارسات السلبية ونسعى معاً إلى إيقافها بكل الطرق لأن كل إنسان منتج يظل بحاجة إلى الدعم والمساندة وهو بحاجة أيضاً إلى أن نقول له شكراً على جهودك لأنه بذل وحاول وجاهد لكي يقدم لنا شيئاً ما، أما مسألة وصوله إلى الدرجة القصوى في الإبداع فهذا هو الشيء الصعب الذي نطالب به.
أملي أن تسود روح الألفة والمحبة ساحاتنا التشكيلية وأن نبارك كل الجهود حتى تصل معاً إلى عطاءات أكثر إشراقاً وحيوية.
وكل عام وأنتم بخير.