همومنا (متاهات نت) برنامج تلفزيوني وإذاعي كان لي الشرف في المشاركة في بعض حلقاته من خلال تسليط الضوء على ثقافة شبابنا وأجيالنا في هذا العصر الذي هو عصر (الإنترنت وتقنية المعلومات) وأثر ذلك عليهم بعد أن انفتح العالم على مصراعيه وأصبح كالقرية الصغيرة الواحدة مما جعل هناك تواصلا واتصالا وخصوصا الفكري والثقافي.. إلا أن هذا الانفتاح لا يخلوا من أخطار ومن محاذير سواء أخلاقية أو فكرية أو عقدية....!!! تكون عواقبها وخيمة على الفرد وعلى المجتمع إذا لم يُحصّن الشاب (فكريا وتربويا وأخلاقيا) من خلال التربية والتوجيه، والعلم والتعليم والمتابعة المستمرة.. ولقد تبين بجلاء من خلال حلقات هذا البرنامج أن هناك (مواقع مخترقة) بأفكار منحرفة! ذات أسماء براقة وشعارات مضللة! تارة باسم الجهاد، وتارة باسم كرامات الشهداء، وتارة باسم الدفاع عن الأمة وتحرير أراضيها!! تديرها جهات مشبوهة مجهولة لا نستغرب إذا قدرت بخمسة آلاف موقع! والهدف هو التأثير على الشباب وزعزعة أمن هذا البلد واستقراره؛ وتفريق وحدته؛ من خلال بث أفكار (التكفير والتبديع، والتفجير والترويع)!.. ولقد تأثر فئام من الشباب بهذه العبارات وهذه المواقع؛ مما كان سببا في الزج بهم في مواقع الصراع والوقوع ضحايا لعناصر مشبوهة، وجماعات مرتزقة؛ جعلتهم (سلعاً يقادون ويباعون)! وربما كانوا (وقوداً وأدوات لسيارات مفخخة)! تحركها أيدي أناس مجهولين كل هذا باسم الجهاد والدفاع عن الأمة.
وهذه المواقع المجهولة الهوية، المجهولة المنهج، المجهولة المصدر، تقوم على دعائم ومرتكزات أربع في السيطرة على أفكار الشباب ومن ثم التأثير عليهم وعلى سلوكهم:
أولاً: ضعف تحصيل الشباب العلمي وخصوصا من (علم الشريعة) والذي به يستطيع الشاب معرفة الحلال من الحرام، والواجب من المستحب والسنة من البدعة.. العلم الشرعي الراسخ؛ الذي يستطيع به أن يتعامل مع مدلهمات الأمور ووقت الأزمات التي تهم جميع الأمة الذي قال الله فيها {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}إذاً الأمور التي تهم الأمة جمعاء (ذات القضايا المصيرية) مرجعها لولاة الأمر من الأمراء والعلماء والذي بيدهم الحل والعقد.
ثانياً: العاطفة الجياشة، والحماس الشديد، والاندفاع القوي لدى الشاب؛ مما جعله يتأثر بمثل هذه المواقع التي تحمل اسم الجهاد، وتنشر صور المجاهدين.. مما يكون سببا في التأثير على الشاب؛ والتحكم بعواطفه وتوجهاته..!! والجهاد لا يشك عاقل مسلم أنه فريضة وشعيرة من شعائر الدين؛ بل هو ذروة سنام الإسلام (فالجهاد ماض إلى قيام الساعة) ولكن الجهاد له (ضوابطه وشروطه، وحالاته وموانعه) التي بينها أهل العلم في كتبهم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءه رجل يستأذنه في الجهاد قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أحد أبويك حي؟ قال: بل كلاهما، قال: ففيهما فجاهد. وإن أمر الجهاد موكول لإمام المسلمين ففي الحديث الذي رواه الإمام البخاري عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وإذا استنفرتم فانفروا) وهذا الأمر مستقر عند أهل السنة والجماعة؛ سلفهم وخلفهم أنه لا جهاد إلا بأمر الإمام وتحت رايته. والحماس والعاطفة الصادقة لا تكفي بدون العلم الشرعي الراسخ؛ والعقل المتزن الذي يدرك عواقب الأمور ويحيط بملابساتها.
ثالثاً: تكفيرهم للعلماء والدعاة، وتصنيفهم لهم!! مما زعزع الثقة بهم وبعلمهم وفتاواهم وجعلهم مهيئين لكل فكر ضال أو منهج منحرف.. ولمز العلماء، وتفسيقهم جرم عظيم وإثم كبير؛ والأعظم منه إثما تبديعهم وتكفيرهم!! لأنهم هم حملة الشريعة، ومنارات الهدى، ومصابيح الدجى بهم يعرف الحلال من الحرام، والسنة من البدعة، والخير من الشر؛ وبهم يحفظ الله دينه، ويحمي شيعته من التحريف والتأويل، والزيادة والنقصان.
رابعاً: ضعف دور الأسرة التربوي.. وضعف المتابعة والمراقبة لهم! والله تعالى قد حمّل الآباء مسؤولية التربية والتأديب بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. ثم ذكر - الرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته) فلا بد من القيام بهذه المهمة العظيمة والأمانة الكبيرة ألا وهي أمانة (التربية والرعاية والتوجيه والإرشاد).
أخيراً على مؤسساتنا التربوية (الأسرة والمسجد والمدرسة والإعلام) غرس مفهوم الأمن الفكري؛ الذي يعرفه العلماء والباحثون بأنه: سلامة النظر الذهني، والتدبر العقلي) المبني على العلم الراسخ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم للوصول إلى النتائج الصحيحة بلا غلو ولا تفريط.
كذلك غرس أهدافه من خلال:
1- غرس القيم والمبادئ الإنسانية؛ التي تعزز روح الانتماء والولاء لله ولرسوله ثم لولاة الأمر.
2- ترسيخ مفهوم الفكر الوسطي المعتدل الذي تميز به الدين الإسلامي الحنيف (وكذلك جعلناكم أمة وسطا).
3- تحصين أفكار الناشئة من التيارات الفكرية الضالة، والتوجهات المشبوهة. من خلال نشر المواقع العلمية المؤصلة الموثوقة المنهج المعلومة المصدر.
4- تربية الفرد على التفكير الصحيح؛ القادر على التمييز بين الحق من الباطل، والنافع من الضار.
5 - إشاعة روح المحبة والتعاون بين الأفراد، وإبعادهم عن أسباب الفرقة والاختلاف، وخصوصا مع ولاة أمرهم ومع العلماء والدعاة وحملة الشريعة. {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
6-ترسيخ مبدأ الإحساس بالمسؤولية تجاه أمن الوطن والحفاظ على مقدراته ومكتسباته (فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم).
7- توجيه الشباب إلى المواقع العلمية والثقافية النافعة المفيدة الموثوقة منهجاً المعلومة مصدراً.
8- على جميع أفراد المجتمع استشعار المسؤولية من خلال استشعار: حاجة الكائنات كلها من بشر وحيوان، ونبات وجماد (للأمن) لأنه من أهم الأسباب للحفاظ على الضروريات الخمس التي جاءت جميع الشرائع السماوية للحفاظ عليها وهي (الدين والنفس والعقل والعرض والمال).
ومادام أن الأمن نعمة يرفل بها كل فرد ومجتمع ويسعد بها كل موجود فإن الحفاظ عليه واجب يشترك فيه جميع الأفراد والمؤسسات والهيئات في المجتمع؛ والمؤسسات التربوية والتعليمية من أولى الجهات المعنية بالحفاظ على الأمن، ووقاية المجتمع من مفسداته من خلال بناء شخصية الناشئة بناءً إسلامياً متزناً، وعندما تتعرض أي أمة أو مجتمع لأزمة أو ضائقة فإنها تتجه (للتربية) باعتبارها المدخل الأنسب للتغيير والتصحيح؛ فالتربية هي المعنية بتكوين المفاهيم الصحيحة، وتعزيزها في أذهان الناشئة وهي المسؤولة عن بناء الاتجاهات وضبطها، وبها يقوى البناء الاجتماعي وتعتز وحدته ويعظم تآلفه.
Saad.alfayyadh@hotmail.com