Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/09/2008 G Issue 13127
السبت 06 رمضان 1429   العدد  13127
أضواء
قمة دمشق
جاسر عبدالعزيز الجاسر

رغم أن العالم يشهد متغيرات تكاد تكون يومية، وأن الفكر السياسي أو بالأحرى الاستراتيجي تطور كثيراً بعد تأثير (الميديا)، وتمازج المفاصل الاقتصادية والسياسية والأمنية يشكل بعد انصهارها (أيقونة) واحدة تبرز الحذاقة الاستراتيجية والسياسية للدول، إلا أن الرصد الاستراتيجي والسياسي الذي يتصدى له بعض المحللين لم يرتقِ إلى هذا المستوى من التطور الفكري.

لنأخذ مثال ما يجري في المنطقة العربية، وأقرب مثال هو انعقاد القمة الرباعية في دمشق التي ضمت بالإضافة إلى المضيف الرئيس السوري بشار الأسد، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان.. فهذه القمة الرباعية جاءت في فترة سكون سياسي في المنطقة أدت إلى تأجيل البت في كثير من الملفات المهمة لقرب انتهاء استحقاقات الإدارات التي تتداخل في التأثير على مسارات الأحداث في المنطقة، فكلنا نعلم أن الإدارة الأمريكية تقضي آخر أيامها في البيت الأبيض، وأن رئيس الحكومة الإسرائيلية يواجه تحقيقات جنائية قد لا تنهي حياته السياسية فحسب - وهي فعلا انتهت - بل قد تقوده إلى السجن؛ ولهذا فإن المنطقة مثل غيرها تعاملت مع هذا الارتخاء فأخذت تتجه للسكون، وشهد صيف هذا العام هدوءاً لم تؤثر فيه بعض المواقف السياسية التي لم تتعدَّ التصريحات والأقوال الانفعالية، أما غير ذلك فقد اتجهت الدول إلى الاستفادة من انشغال واشنطن بانتخاباتها وتل أبيب بهمومها، فحاولت - وبعضها نجح - في تحسين مواقعها السياسية وصياغة تفاهمات جديدة، ومن بين هذه الدول وأكثرها تحركاً فرنساً التي يريد رئيسها الشاب ساركوزي أن يعوض الابتعاد الأمريكي وفراغ القيادة الغربية؛ ولذا فقد سارع إلى التدخل والتأثير في الأزمة القوقازية، وكان لتدخله تأثير، ورفع أسهم فرنسا في السياسة الدولية، أما بالنسبة إلى الحضور الفرنسي في المنطقة العربية فقد أخذ في التصاعد بعد أن عدلت باريس تعاملها مع بعض دول المنطقة، وابتعدت عن التكتيكات الأمريكية، وهي وإن التزمت بالمضمون والأهداف النهائية للغرب في المنطقة، فإنها انتهجت تكتيكاً يختلف كثيراً عن الأساليب الأمريكية بمحاولة استيعاب الدول وحتى المنظمات التي كانت أمريكا تحاول عزلها، وفي سبيل ذلك أطلقت باريس تصريحات ومواقف اعتبرها البعض خروجاً على السياسة الأمريكية، إلا أنها في الواقع تغير في التكتيك لتنفيذ نفس الأهداف.

تغير التكتيك مصحوباً بإطلاق مواقف سياسية اعتبرته الدول (المعزولة) سابقاً دعوة للعودة إلى الساحة الدولية عبر البوابة الفرنسية؛ ولهذا فإن القول لبعض المحللين بأن دمشق قد استطاعت أن تفك العزلة السياسية التي فرضت عليها.. هذا القول له نسبة كبيرة من الصحة، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة؛ فإن الأطراف الأربعة التي اجتمعت في دمشق، كل له أهدافه ومصالحه، وإذا كانت سوريا تريد فك العزلة وحماية أمنها ونظامها السياسي الذي لم تخفِ أمريكا رغبتها في تغييره، فإن فرنسا تقدم المصالح الغربية وتحاول تحقيقها عبر تكتيك جديد، وكلاهما أنجز خطوات في هذا المضمار.

أما تركيا فإن رجب أردوغان يريد أن يثبت موقع تركيا في المنطقة وجعلها لاعباً رئيسياً يخدم حتى مصالحه الحزبية، فيما بحث أمير دولة قطر عن الحفاظ على مصالح دول الخليج العربية التي تحاصرها الرغبة الإيرانية في الانضمام إلى النادي النووي وتعثر التسوية السلمية للقضية الفلسطينية؛ فالخليجيون لا يريدون أن يكونوا بعيداً عن أي صفقة سياسية لحل القضية الفلسطينية والمسألة النووية الإيرانية على حسابهم.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد