مع أنني سبق أن تحدثت عن هذا الموضوع وحاولت التنبيه إلى أن ما ينشر في وسائل إعلامنا بخصوص أخبار المعمرين لدينا ينطوي على معلومات تقوم على المبالغة الزائدة، ويقوم على أرقام وهمية لأعمار بعض الرجال والنساء في مجتمعنا.
وإذا كانت بعض وسائل الإعلام تنشر ذلك من باب البحث عن الإثارة، أو كان بعض مراسلي الصحف المبتدئين لا يدركون أن ما قيل لهم من معلومات بهذا الشأن بعيد عن الحقيقة؛ فقد يكون لهم بعض العذر، لكن الأسوأ أن شريحة كبيرة من بيننا لا تزال تؤمن بصحة تلك الأخبار، وتعتقد أن لدينا معمرين قد يبلغون المئة والخمسين أو ينقصون أو يزيدون عنها قليلاً.
أعيد هذا القول بعد أن اطلعت على ما نشر مؤخراً عن وفاة معمر في الأفلاج عن 143 عاماً، وهذا يعني أنه من مواليد 1286هـ. كما جاء في مضامين الخبر ما نصه: (وكان رحمه الله قد شارك في موقعة البكيرية وجازان).. وعلى هذا الأساس يكون قد شارك في موقعة البكيرية التي حدثت سنة 1322هـ وعمره 36 عاما!!
وليس المراد هنا الطعن في مصداقية ذلك الرجل المعمر -رحمه الله- ولا في صحة معلوماته، وليس التقليل من مكانته الاجتماعية أو التشكيك في مشاركاته التاريخية وخدمته وإخلاصه لوطنه، وإنما المراد التنبيه إلى حقيقة يجب ألاّ تغيب عنا، وهي أن مثل هذه الأرقام التقديرية لأعمار المعمرين من آبائنا وأجدادنا تقديرات مبالغ فيها، ومعلومات قد تسيء إلى مصداقيتنا وتجعلنا أضحوكة للشعوب المتقدمة التي تبني معلوماتها على الحقائق المحضة، وتنظر إلى العرب على أنهم لا زالوا يعيشون في عصر حكايات ألف ليلة وليلة؛ وأنهم يميلون إلى الأساطير والخزعبلات ويطربون للمفاخرات الوهمية أكثر من ميلهم للحقائق العلمية، وأن ذلك أحد مظاهر التخلف الذي يعيشون فيه وينعمون به!
والواقع العلمي والتاريخي البعيد عن مثل هذه الأخبار الصحفية العابرة، يفيدنا أنه لم يصل أحد من سكان هذه المعمورة إلى سن 118 سنة خلال القرنين الماضيين على الأقل، حسب سجلات المواليد والوفيات في الدول المتقدمة التي تتميز سجلاتها بالدقة والمصداقية وتحظى باعتراف المؤسسات العالمية ذات العلاقة. كما ينبغي إعادة التذكير بأن معدل متوسط الأعمار في تلك الدول يفوق متوسط الأعمار لدينا بفارق كبير، ومع ذلك نزعم أن لدينا من يصل إلى هذه الأعمار، في حين أن أعلى رقم مسجل في موسوعة جينس العالمية للأرقام القياسية هو 116 سنة لأكبر معمرة في العالم توفيت قبل بضع سنوات، وكانت عندما توفيت فاقدة لجميع قواها الجسمية والفكرية.
إنها دعوة صادقة أكررها إلى المسؤولين في وسائل إعلامنا إلى التنبه إلى هذه المسألة، والتأكد من صحة المعلومات المتعلقة بالأعمار قبل نشرها، والاستغناء عن المعلومات غير الواقعية التي تغرر في بسطائنا، وتسيء إلى معمرينا، وتجعلهم عرضة للاتهام بالكذب، علماً أن الكثير منهم لا يرضى عما يكتب على لسانه أو ما يكتب عنه في آخر حياته أو بعد مماته.