Al Jazirah NewsPaper Friday  05/09/2008 G Issue 13126
الجمعة 05 رمضان 1429   العدد  13126
حافظ كتاب الله يجب ان يكون قدوة لغيره
القرآن الحصن الحصين للشباب من التكفير والغلو والإرهاب

الرياض -«الجزيرة»:

أكد عدد من المسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على ضرورة إلحاق الأبناء والفتيات حلق ومدارس تحفيظ القرآن الكريم؛ لأن من تربى على مائدة القرآن، ونشأ في أحضان الحلق القرآنية يحفظه الله عز وجل، ويبارك في عمله.

وأكد المسؤولون على أن القرآن الكريم هو الحصن الحصين للشباب والفتيات من الغلو والتطرف والإرهاب، وأن المنتظمين في الحلق القرآنية أكثر الناس بعداً عن الغلو التكفير.

القسط والعدل والحكمة

بداية يشير د. توفيق بن عبدالعزيز السديري - وكيل الوزارة لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد: أن الإسلام وضع التدابير الواقية من الانزلاق في وحل الانحراف والتطرف والغلو من أجل حماية الفرد والمجتمع وذلك من خلال ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على التحذير والتذكير والزجر لمن قادته نفسه الأمارة بالسوء إلى هذا السلوك المذموم والمنهج المعوج.

والمتتبع لنصوص القرآن الكريم يجد هذا الأمر واضحاً جلياً في عدد من الآيات، فالقرآن الكريم منهج رباني معصوم نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والانحراف والغلو إلى نور العلم والعدل والحكمة ويدعو إلى التوسط والاعتدال في كل مجال يقول الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.

فالأمر بالاستقامة يعني النهي عن مجاوزة الحد، والمراد بذلك دعوة الأمة إلى ترك الغلو والتطرف؛ لأن الله تعالى قد أكمل لها الدين وأتم عليها النعمة ورضي الإسلام دينا فلا يزاد فيه ما ليس منه؛ لأن الزيادة عليه خروج وميل عن الحق.

وقد حث الإسلام على القسط في الأمور كلها، وهو الأخذ بالعدل والحكمة في شؤون الحياة الخاصة والعامة، وذلك حماية للأقوال والأفعال من الانحراف والتطرف قال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}، والقسط هو العدل، والعدل ضد الجور، والجور من علامات التطرف والانحراف.

وأغلق الإسلام باب الفتنة وحذر من الفتن، فأشد الناس تطرفاً أكثرهم تعرضاً للفتن، ومن هذا جاء النهي عن التفرق والتحزب حتى لا يكون الإنسان شاذاً في تصرفه وسلوكه فإن يد الله مع الجماعة قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} فالتطرف الديني يعمل على تفريق الأمة وتشويه صورة الإسلام السمحة علماً أنه لا يوجد نظام في الدنيا يحارب التطرف والغلو مثل ما يحاربه دين الإسلام. والدعاة إلى الله مُلزمون بالأخذ بالمنهج السليم بعيداً عن الغلو والتطرف، والتشدد والتعسف وفقاً لمنهج محمد صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن تبعهم بإحسان كما قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}؛ لأن الشطط في الدعوة سبيل إلى الغلو والتطرف، والمنهج القرآن للدعوة إلى الله خير معين على حماية الفكر من الانحراف والتطرف.

والتزام الفرد بالواجبات الشرعية وترك المتشابه يجعل عمله في حدود المشروع بعيداً عن الغلو والتطرف وقد قيل: (ما زاد عن حده انقلب إلى ضده)، وفي الحديث الشريف: (من وقع في الشبهات وقع في الحرام) ومن هنا يعلم بأن جماع الدين هو الالتزام بالواجبات والكف عن المحرمات والتورع عن المتشابهان، وهذا حصن منيع لحماية الفرد من التطرف والانحراف.

كما أن الأخذ بمبدأ اليسر والسماحة من قواعد هذا الدين وأصوله، فالقرآن الكريم في أكثر من آية يقرر هذا المبدأ الذي يحمي صاحبه من التشدد والتنطع الذي هو من الغلو والتطرف كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، فالتكليف بما لا يطاق ليس من شريعة الإسلام، كما أن من مقاصد التشريع رفع الحرج عن الأئمة أفراداً وجماعات ومن هنا يمكن القول بأن دعوة الإسلام للإنسان بالاستقامة والعدل والحكمة والتوسط والاعتداء، والالتزام بالأوامر والنواهي، والأخذ باليسر والسماحة في الأمور كلها كل ذلك من الأمور المؤثرة في حماية الفرد من التطرف والانحراف؛ لأن المرض الفكري والانحراف العقدي من اشد الأمراض فتكاً، وهو من الأمراض المعدية التي يسري خطرها وضررها ويتعدى شرها فيصل إلى الفتك بالمجتمع بل وعلى مستوى الدول إذا ما عولج في حينه. ومن درجات التطرف، مخالفة ولاة الأمر وعصيانهم وعدم إجلالهم، وكذلك الحال للعلماء؛ لأن ذلك يؤدي إلى فساد الدين والدنيا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، ويقول - عليه الصلاة والسلام - فيما رواه الشيخان: (إنما جعل الإمام جنة يقاتل من وراءه ويتقي به) ثم يأتي بعد ذلك الخروج على عامة الناس بتكفيرهم ومقاتلتهم وهكذا يستمر الانحراف ويكثر الهرج، وتشتد الفتنة وتدلهم ويلبس الحق بالباطل، ولهذا حث الإسلام على الوقوف بحزم أمام أصحاب هذا المنهج المنحرف ولو يقاتلهم.. ورغب في ذلك لما في منهجهم من غلو وفساد في الدين ولو كان ظاهرهم الصلاح والتدين.

الحصن الحصين

ويؤكد الأستاذ سعود بن عبدالله بن طالب - وكيل الوزارة للشؤون الادارية والفنية: أن القرآن العظيم هو أعظم ملاذ، وأحصن ملجأ لحفظ لناس كافة، والشباب خاصة، من كل المساوئ والشرور، ومظلات الأعمال من الشرك والخرافة والبدع، والانحراف الخلقي والسلوكي، ومن الغلو في الدين، والتطرف، والإفساد في الأرض.

وإذا اتضح ذلك اتضح أن من أفضل الأماكن لحفظ ناشئة الأمة، وتحصينها من الانحراف، وسلوك سبل الضلال، هي تلكم الأماكن التي يتعلم فيها القرآن الكريم، ويحفظ كتاب الله تعالى، وهي حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وذلك لعدة أمور:

الأمر الأول: أن هذه الحلقات تدرس كلام الله تعالى وقد تقدم أنه نور وكتاب مبين، يهدي إلى الصراط المستقيم، ويهدي للتي أقوم في جميع الأمور، وكفى بذلك حفظاً وصيانة للشباب والشابات.

الأمر الثاني: أن هذه الحلقات تعمل في النور، وعلى مرأى ومسمع من جميع الناس، وهي ملحقة بالمساجد، ويشرف عليها الأئمة والمؤذنون، ويرى مناشطها وأعمالها أولياء أمور الشباب، وأهم من ذلك أن ولاة الأمر - حفظهم الله - متابعون، ومراقبون لهذه الحلقات، وداعمون لها، لما رأوه من آثارها الحسنة.

الأمر الثالث: أن هذه الحلقات تجمع الشباب في أوقات فراغهم، وتحتضنهم في مأدبة القرآن الكريم، بدل أن تحتضنهم الشوارع والوقاهي، والاستراحات السرية التي لا يعلم أحد من يدور فيها، ولا يعرف الآباء ماذا يتعلم أبناؤهم.

الأمر الرابع: ما يشهد به الواقع والتجربة، فإننا نرى أن هذه الحلقات قد خرجت أجيالاً من الحفاظ والعلماء وطلبة العلم، وهم مشهودون بغيرتهم على الدين، والأمة، والوطن، ومنهم أئمة في الحرمين الشريفين.

الأمر الخامس: ما يشهد به الواقع وتدعمه التجربة أن طلبة حلقات تحفيظ القرآن الكريم من أكثر الطلاب تفوقاً في دراستهم، وأكثرهم انضباطاً وأبعدهم عن أماكن الانحراف، وسلوك طرق الزيغ والضلال.

الأمن والأمان

ويقول الشيخ عبدالله بن إبراهيم الغنام - وكيل الوزارة المساعد لشؤون الأوقاف: إن القرآن الكريم نعمة عظيمة من المولى - عز وجل - على عباده المؤمنين لأنه كلام الله، وقد فضله على غيره من الكلام كفضل الله على خلقه، فمن حفظ القرآن حفظه الله، وميزه عن غيره، من الناس، فهو يتخلق بأخلاق القرآن ويتأدب بآدابه، ويلتزم بأوامره ويقف عند نواهيه، فيكون له بذلك درعاً واقياً وحصناً منيعاً من الفتن، وهو حبل الله المتين والنور المبين الذي يعصمه من الانحراف أو التطرف، لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي).

وتنعم بلادنا - بحمد الله وفضله - بنعمة الأمن والأمان كونها تتخذ القرآن الكريم دستوراً ومنهاجاً، لما يشتمل عليه من أشكال وصور الأمن، ففيه الأمن الروحي الذي يحقق الاستقرار النفسي والرضا بما قسمه الله، وفيه الأمن الاجتماعي الذي يحقق التكافل والتآخي والتعاطف والتعاون بين المسلمين، وفيه الأمن الاقتصادي من خلال الزكوات والصدقات التي يفرضها الله على الأغنياء لصالح الفقراء والمحتاجين، وفيه الأمن السياسي الذي يتحقق من خلال نشر السلام بين العالمين، ويكفي البشر ما قالته الجن عن عجائبه حين سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}.

وحافظ القرآن بلا شك يجب أن يكون قدوة لغيره من الشباب فيخلص في عمله، ويبتعد عن الغلو والجفاء والتطرف، ويسعى جاهداً بأن يكون مثالياً في جميع شؤونه وتصرفاته، ويشجع غيره على تعلم القرآن وتعليمه عملا بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، كما أن عليه التسلح بالعلم الشرعي الصحيح، حتى يكون داعية للخير في المجتمع، متصفاً بالحكمة ومستخدماً الأسلوب المناسب وفي الأوقات المناسبة، وأن يكون مستندة ومرجعة في الدعوة إلى الله كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحذر الناس. وخاصة الناشئة من التفريط في حفظه وتدارسه والعمل بما جاء فيه، ويبين لهم أن التراخي في الإقبال على كتاب الله يؤدي إلى ضعف الإيمان وخواء النفس، مما يجعلها عرضة للانحراف والتطرف، فالجدير بالمسلم أن يتعاهد كتاب الله في كل حين، ويجعل لسانه رطباً دائماً بتلاوته، وأن يعمل بما جاء فيه. لذا فإن من الأمور التي يجب أن لا يغفل عنها المسلم السعي لإلحاق أبنائه بحلق تحفيظ القرآن الكريم التي يقوم عليها مشايخ فضلاء ومدرسون مخلصون، ويتابع أعمالها المسؤولون والمختصون من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم. ولا شك أن تشجيع الناشئة من البنين والبنات، على الالتحاق بحلق ودور التحفيظ في هذه الجمعيات، سوف يشغل أوقات فراغهم بما يفيدهم - بإذن الله - في حياتهم ويؤمن مستقبلهم، والواقع شاهد على ذلك فإن طلبة حلقات تحفيظ القرآن الكريم من أكثر الطلاب تفوقاً في دراستهم، وأكثرهم انضباطاً وبعداً عن الانحراف.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد