وهناك من مدعي التفسير من تخصص في تفسير رؤى النساء فقط وجعل علامات استفهام مشبوهة حوله وهو من عرف بقلة علمه، وهناك من قرأ في كتاب ابن سيرين وصار بين عشية وضحاها من مفسري الأحلام، وهناك مفسر يدعي التفسير وحينما سئل عن كيفية دخوله هذا المجال قال نصاً (رؤيا عجيبة رأيتها، وأحجم الشيخ يوسف المطلق عن تعبيرها في ذلك الوقت، فكانت سبباً في بداية الطلب لهذا العلم) وتفسير الأحلام أصبح يقوم به كل من هب ودب وكل من لا صنعة له فهو باب واسع للشهرة ومصدر للرزق عند البعض، وقد يتورط بعض الجهلة في تفسير للرؤى فيقع في المحظور وكما أن الرؤيا من الله سبحانه وتعالى والأحلام من تلاعب الشيطان فمن مفسري الرؤى من يجري ويتلاعب بهم الشيطان كما وقع للفئة التي فارقت الجماعة وأجرموا في بيت الله الحرام أول سنة 1400هـ وقتلوا الأنفس المسلمة المعصومة في البلد الحرام وفي الشهر الحرام ومنعوا الناس من الصلاة في المسجد الحرام ومن الطواف بالكعبة سبعة عشر يوماً فقد ذكر بعضهم أنهم رأوا في المنام أن صاحبهم الذي ادعوا أنه هو المهدي الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يخرج في آخر الزمان فكانت النتيجة من هذه الأحلام الشيطانية، والتفسير الشيطاني لأحلامهم أن فارقوا الجماعة وفعلوا الأفعال الشنيعة في حرم الله تعالى إلى أن مكن الله منهم فحكم عليهم بالإعدام فغرهم الشيطان بالأحلام الكاذبة ثم تخلى عنهم.
وقد أدى تفسير الرؤى إلى أمور خطيرة من بعض مدعي العلم والمتطفلين عليه، وقد سمعت عن حالات طلاق وانفصال بين الأزواج نتيجة لتفسيرات خاطئة من (جهال) وتقبلها بعض السذج من النساء ومن الرجال وكأنها وحي منزل، فهناك من قالوا لها إن هناك من أهل الزوج من وضع لك سحراً وهناك من قالوا له إن هناك خيانة زوجية في بيتك وهناك من شككوا في سلوكيات أولاده وبناته، وهناك من أوهموه بالفشل في الدراسة والعمل وأحبط وصدق الخبر وحالات يشيب لها الرأس وهناك من أوهموه بالمساهمة في شركة معينة فخسر ما وراءه، وبعضهم أصبح يتصل بمعبري الرؤى قبل الدخول في أي شركة وهناك رؤى حول هذا النحو وهكذا، ولو نشرت بعضا من الرسائل عن أحوال المعبرين المدعين وشكاوى القراء لرأيتم العجب فهم أقرب إلى الدجل والكذب، ولكن السمة الغالبة مع الأسف أنهم يتزينون بزي الدين ومظهر التقوى وهم في حالة لا يعلم بها إلا الله.
وختاماً أؤكد ما بدأت به من أنه قد كثر المعبرون للرؤى وقد تحدث عنهم قبل مئات السنين، عبدالغني بن إسماعيل، الملقب بابن النابلسي في كتابه: (طبقات المعبرين) الذي تضمن الإشارة إلى أكثر من سبعة آلاف مفسر للأحلام، بعد ابن سيرين، ولو عاش في زماننا هذا لرأى أن في كل بيت مفسراً للأحلام وفي كل مجلس وفي كل مكتب، ومع كل هذا لا نقلل من شأن الرؤى مهما كثر الدجالون، ولا نبخس بعض المؤولين حقهم ومكانتهم وأمانتهم لكنهم قلة في خضم هذا البحر المتلاطم من الدجالين والمتطفلين، وقد ورد في السنة الكثير من الأحاديث عن الرؤيا ونكتفي منها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة فالرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا ما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس...) رواه مسلم.
وقبل أن أنهي هذه المقالة أؤكد أيضا على أن هناك عدداً من المعبرين المتميزين الذين يجيدون تعبير الرؤى من العلماء والمشايخ الموثوقين، ولكنهم يزهدون في الإعلام ولا يرغبون في التصدي لهذا الأمر خشية الفتنة ومخافة الله، والواجب على أصحاب الرؤى أن يدققوا فيمن يسألونه عن تأويل رؤاهم وألا ينساقوا وراء الدعاوى أو الاستسلام لضغط الحاجة إلى تأويل الرؤيا فيقبلون بمن هب ودب.
alomari1420@yahoo.com