شهر رمضان المبارك يدفعنا إلى المزيد من التأمل والتفكير، وطرح الكثير من الأسئلة كأن نتساءل عن سبب تطور كثير من الدول في المجال الدنيوي تطوراً فاق ما أنجزته دولاً إسلامية كثيرة، ونتساءل أيضاً عن الأسباب التي تجعلنا نقل بكثير من غيرنا في مجال الذوق الاجتماعي، والالتزام بالنظام والإنتاج، ورفع كفاءته. ونتساءل عن أسباب حرصنا على تجاوز الأنظمة لتحقيق الغاية، في الوقت الذي يعجز غيرنا عن تحقيق غايته لا لنقص في كفاءته وإنما لأنه لا يعرف من يلبي له تلك المنى. وكلما تساءلت ازددت جهلاً، وعجزت عن إجابة لماذا؟ لكن كلما أمعنت في فعلي وجدت أنني أستخدم ما يستخدمه غيري، وأسمح لنفسي بما قد لا يستطيع فعله غيري، فأعود للحق أقول ما أحسبني واعظاً لغيري، غير آبه ما أفعله لذاتي، ولكن إذا ما تركت ذلك الفعل جانباً فهل حقاً كنت على صواب أم غير ذلك. أتساءل ولا أجد جواباً. قال الإمام الشافعي: |
كلما أدبني الدهر |
أراني نقص عقلي |
وإذا ما ازددت علماً |
زادني علماً بجهلي |
وأعود وأقول إنها ثقافة شعوب مورثة وليست جينات وراثية حملتها كروموزمات من جيل إلى جيل، لذا فإن الثقافة الموروثة غير المفيدة يمكن التغلب عليها، ولك أن ترى سلوك أحدنا في الدول ذات الصرامة في تطبيق الأنظمة، وسلوكنا في بلدنا أو في بلدان أخرى يسمح فيها بالتجاوز، لنتأكد بأن الثقافة الموروثة، هي الأساس وليس الوراثة الكروموزومية. رمضان الكريم يجعلنا نتأمل في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ويجعلنا نفكر فعلياً فيما يمكن فعله لتصحيح الذات أولاً قبل إسداء النصح للآخرين. |
إن من يهدي النصح نرجو من الله أن يأجره على نصحه وأن يجعله في ميزان حسناته، غير أنني كثيراً ما أتساءل فيما إذا كان هذا الناصح قد نظر إلى ذاته نظرة المنصف، وأدبها فيما يخص العمل وكفاءة والإنتاج والسلوك الوظيفي، وعدم تغليب الشفاعة على النظام حتى يسود العدل، فهذه الأمور يمتد أثرها على المجتمع عامة، وترفع من شأنه البلاد فيكون بسلوكه الإنتاجي هذا ناصراً للإسلام، منافحاً عنه، رافعاً لرايته. |
الإسلام أسدى قيماً رائعة وآداباً سامية، وحث على مسالك الخير، ونهى عن دروب الشر وجعلنا في خيار بين الدربين، فعلام نختار ما لا يحث عليه هذا الدين العظيم، أو علام نسلك بعض الدروب التي لا تتمشى مع تعاليمه، لا شيء يمكنه تفسير هذه الظاهرة سوى الشهوات، والرغبات، والضعف أمام الذات. نعم نحن نضعف أمام شهواتنا، وأمام رغباتنا، وأمام مصالحنا، وأمام ثقافاتنا الموروثة. |
يا واعظ الناس عما أنت فاعله |
يا من يُعدّ عليه العمر بالنفس |
احفظ لشيبك من عيب يدنسه |
إن البياض قليل الحمل للدنس |
نبغي النجاة ولم تسلك طريقتها |
إن السفينة لا تجري على اليبس |
لندع الحديث عن الثقافة الموروثة فالتأثير عليها يحتاج إلى عناء وشجاعة، ولنذهب إلى ما هو أهون، فربما يكون الحديث حوله أجدى، وهو طعام شهر رمضان الكريم، الذي يتميز عن غيره بتنوعه وكثرته، وكذا توقيته، حيث يقبل المرء على مائدة استثنائية بعد صيام نهار طويل، فيكون المشرب والمأكل أكثر مما يطاق. |
|
ثلاث هن مهلكة الأنام |
وداعية الصحيح إلى السقام |
دوام مُدامة ودوام وطء |
وإدخال الطعام على الطعام |
والخوف في الشهر الكريم من الثالثة أما الأولى فنفترض أنها بعيدة عن المجتمع الإسلامي إن شاء الله في رمضان وغير رمضان، أما الثانية فيتبين أنها تقل في هذا الشهر الكريم وتبقى الثالثة مهلكة للأنام وداعية الصحيح إلى السقام فلعلنا نحتاط والأمر بيد الله. |
|