اختلف المؤرخون قدماؤهم والمعاصرون حول تحديد موضع سوق عكاظ وشرق وغرب آخرون دونما استناد على مصدر موثوق، وللأسف الشديد أن هناك إثارة لموجة من التشكيك ومع أنه ليس من اللزوم التشديد في تحديد الموقع على الوجه الأصلي مع أنه مطلب إلا أن الأمر محسوم على وجه التقريب ولو قدرنا أنه اكتشف الموقع الأصلي الحقيقي للسوق مستقبلاً فلن يخرج عن الحدود الجغرافية التي حددها كبار المحققين من المؤرخين كما أن ذلك لن يضيف جديداً من الناحية الموقعية وعدم التحديد الدقيق أمر طبيعي لأسباب عدة لعدم وجود علامة تميز المكان مما أدى إلى اندثار المكان بعد اضمحلال السوق وانتهائه.
وعدم العناية بهذه المواقع من ذي قبل وتعهدها واختلاف عوامل الطبيعة عليها وانحراف الطرق عن طرق تلك الأسواق وهجرها وكل ذلك من أسباب ضياع الأمكنة الحقيقية ليس لسوق عكاظ فحسب ولكن لمواضع الأسواق وأمكنة عدة في جزيرة العرب. والمملكة بوجه خاص.
وعلى أي حال: فلو لم نجد من النصوص عن موقعية سوق عكاظ سوى أنه بين (الطائف ومكة) فإنه يكفي ذلك أن سوقاً مثل هذه السوق العظيمة الواسعة حددت بصرف النظر عن الإقليمية وكون تحديدها العام وارد بين مكة والطائف على وجه العموم فإن ذلك التحديد عام وغير إقليمي يتناسب مع مكانة السوق كونه يحدد بمدينتين كبيرتين عظيمتين معروفتين عند العرب وغير العرب ناهيك بأن المؤرخين لم يكتفوا بالتحديد الجغرافي العام بين مكة والطائف بل إنهم حققوا بما لا يسوغ لنا مهما كنا على درجة من العلم والتحقيق أن نبعث التساؤل حول جهود علماء ضليعين رسمت خطاهم ورؤاهم الصورة للموقع من الواجب تقديرها وحملها على محمل يليق بمكانتهم العلمية بعيداً عن تنظير المنظرين وريبة المشككين فنخرج من تحت عباءة جهودهم بأن نقول ما زلنا لا ندري أين يقع موقع سوق عكاظ وكأن جهود السابقين ذهبت هباءً منثوراً وكأننا بذلك نجحد وننكر ما ذهبوا إليه جملة وتفصيلاً.
ومن العيب بعد أن يكون الجدل حول الموقع أحد برامج وفعاليات سوق عكاظ ونظل نتنازع حول أمور لن تزيد من مكانة سوق عكاظ ولا تخدمه فنأمل في فعاليات السوق القادمة أن يشطب موضوع الجدل في الموقع لأنه لا لزمة له.
ووفاء لأصحاب الفضل فإننا سوف نستعرض فيما يلي ما أورده المؤرخون في مراجعهم ومصادرهم تاركين لهم ما ذهبوا إليه دون تنظير ومع أن المؤرخ سعيد الأفغاني صاحب أول مجهود معاصر مذكور في الكتابة عن أسواق العرب في الجاهلية والإسلام لم يسمح لنفسه أن يجادل أو يطرح رأي من عنده أو ينتقص أو ينتقد أصحاب الطرح السابقين في قضية الموقع مع أن مكانته العلمية تمكن له ذلك/ أنظر لذلك فيما أورده. والشيء الذي يجب التأكيد عليه هو أن نقوم بالتنقيب وعمل مجسات وحفريات (جبسية) في حدود الإطار الجغرافي الذي حدده المؤرخين قدماؤهم ومعاصروهم.
هو أن تقوم بعثة آثار مكونة من علماء مختصين وجيلوجيين وسواهم بأعمال حفر وتنقيب ومجسات وتحري للبحث في الإطار الجغرافي عن مواد آثارية تؤكد فقط على ما ذهب إليه العلماء والمؤرخين السابقين وألا نتعجل النتائج.
أورد الأفغاني بكتابة أسواق العرب صحيفة رقم انظر الحواشي وتأمل في تأدبه مع المؤخرين والعلماء الأجلاء يقول في (ص286): عكاظٌ نخل في وادٍ بين مكة والطائف على مرحلتين من مكة ومرحلة من الطائف وموقعها جنوب مكة إلى الشرق هذا زبدة ما يستخلص من تعاريفهم المتضاربة في عكاظ تقوم السوق في مكان منه يعرف بالأثيداء فيه ماء ونخل وهو مستو لا علم فيه ولا جبل الخ....
وأورد الأفغاني (بقوله) من حسن الحظ أن ذهب فتحرى موضعها بنفسه باحث عربي فوصفه لنا وهو السيد خير الدين الزركلي الشاعر في كتابه ما رأيت وما سمعت ص79 قال: على مرحلتين من مكة للذاهب إلى الطائف في طريق السيل يميل قاصداً عكاظ نحو اليمين فيسير نحو نصف ساعة فإذا هو أمام نهر في باحة واسعة الجوانب القانس وهي موضع سوق عكاظ إلى قوله وقيل عكاظ في مكان يعرف اليوم باسم القاهوي في وادي ليه من الطائف غير أن الشيوع يؤيد ما قلناه آنفاً أنه هو القانس نفسه وعليه أكثر العارفين من أهل هذه الديار.
ثم تركنا عمداً ما ساقه عن د. هيكل لعدم اقتناع الأفغاني بما ساقه وجاوزناه إلى ما شفى نفس الأفغاني ص287 بما نصفه قوله (ولما زرت الطائف بعد أيام حج عام 1378هـ - 1959م حرصت أن أرجح بما يشفي النفس وتفرجت علىالمسيل الذي وصفوه وسألت العارفين وخرجت بصحبة وجيه الطائف السيد محمد صالح نصيف وعرفت منه أن الذي استقر عليه الباحث المرحوم السيد رشدي ملحس وابن بلهيد وسمو الأمير فيصل (حينئذ) في عكاظ أنها متنقلة على أرض تمتد من جنوبي العشيرة إلى السيل الصغير والجوية.
ويؤيد ما سبق على أن أرض عكاظ صحراء مستوية ليس بها جبل ولا علم الخ... وهذا ما ذهب إليه السلمي في كتاب أسماء جبال تهامة وأيد الدكتور (حقي إسماعيل إبراهيم في كتابه أسواق العرب التجارية في شبه الجزيرة العربية صحيفة رقم 899 يقوله: وفي المقادي أن الرأي الأخير هو أقرب الآراء إلى الحقيقة وما تقدم من مذاهب ينطبق تماماً على ما ذكر الأصفهاني في قوله: (إن عكاظ نخل في وادي بينه وبين الطائف ليل وبينه وبين مكة ثلاث ليال وكانت تقوم سوق العرب بالأثيداء.
عبدالله الرزقي