Al Jazirah NewsPaper Sunday  31/08/2008 G Issue 13121
الأحد 30 شعبان 1429   العدد  13121
بين الزركلي والفرياطي: كتاب وصاحب
د. عبدالله بن محمد المنيف

كما أن الكتب لها فضل على الإنسان في توسيع مداركه وزيادة مخزونه المعرفي، فكذلك الصحبة لها من الفوائد ما للكتب من فوائد، وكما أن الباحث أحياناً يفاجأ بحصوله على كتاب يكون زاهداً فيه أول الأمر ثم بعد تقليبه وتصفحه يحمد الله تعالى على توفيقه أن حصل عليه، فأنا كذلك أحمد الله أنني وقفت على شيئين لا انفكاك منهما مادام في الإنسان بقية أيام. قد أكون شرقت وغربت، ولكن حق لمن وجد شيئاً مهماً، أن يفرح به ملئ الأفق. فقد أتحفني أخي الشيخ محمد بن عبدالله بن عمر آل الشيخ، بهذا الكتاب الذي سوف أعرض له.

وقبل الحديث عن ما أريد قوله، لابد أن أقول: حق للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن تفاخر أمام الدنيا كلها أن يكون من تلامذتها وطلبة العلم بها مثل هذا الشيخ الباحث اللوذعي النبيه الأستاذ الفاضل العربي الدّائز الفرياطي، التادلي المغربي، الذي قبل أن يخرج لنا كتابه عرض لنا عقله الكبير أمام ناظرينا، وبقدر ما حفلت وفرحت بالكتاب فرحت بأن عرفت أنا على الأقل، باحثاً كبيراً ومستقصياً بارعاً ذكياً، لهذا كانت فرحتي فرحتين الأولى: بالكاتب والثانية: بالكتاب.

وقد عرفت الأستاذ العربي متردداً عليّ عندما كنت أعمل في مكتبة الملك فهد الوطنية، يتتبع كتب ومخطوطات سلفنا الصالح رحمهم الله، مفتشاً عن غير المنشور أو عن المنشور على غير هدى، بهدف إعادة نشره وتحقيقه على الوجه الأمثل، ثم تكررت اللقاءات أيضاً عندما تقام معارض الكتاب في الرياض، فأجده نهماً لا يشبع من الكتب أبداً، فأشفق عليه مما يشتري من الكتب مع قلة ذات اليد، فبارك الله فيه ونفع به الإسلام والمسلمين.

وقد كنت قد أخذت على نفسي ألا أستعرض كتاباً صدر حديثاً بحال، خشية على بقية الصحبة مع الآخرين، لما قد بلغ سمعي من كلام مثبط ولا يدعو إلى المطارحات والمساجلات العلمية التي تفيد ولا تضر.

وقديماً قيل: إن الكتاب الذي يعرض وينقد ويراجع هو الكتاب المقارب للكمال، أما الكتاب الخامل الذكر السيء التأليف يجهل ويطوى ولا يذكر، ويؤيد ذلك ما ورد عند السمعاني عندما ترجم لأحمد بن محمد بن علي الأبردواني المتوفى عام 449 هـ، فقال عنه: (له كتاب المضاهاة والمضافاة في الأسماء والأنساب، رأيت ذلك الكتاب ببخارى وأصلحت فيه مواضع على الحاشية ظناً مني أنه يقبل الإصلاح فلما كثر تركت الإصلاح). وهذا النص الجميل من تراثنا يدعم فكرة أن الكتب التي تنقد، هي الكتب قليلة الأخطاء، أما كثيرتها فلا تعرض على الناس أبداً.

وليس هذا المثال الوحيد من نصوص المتقدمين بل هناك الكثير جداً، وليس المجال لعرضها جميعاً، بل سوف أثني بآخر وأكتفي به خشية الإطالة، وهو من منقولات الذهبي رحمه الله تعالى من سير أعلام النبلاء، (يقول الذهبي قال السيف (ابن المجد) سمعت ابن نقطة يقول: قيل لابن الأخضر ألا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي؟ قال: إنما يُتتبَّعُ على من قلَّ غلطُهُ، فأما هذا، فأوهامُهُ كثيرة.

ثم قال السيف: ما رأيت أحداً يُعتمدُ عليه في دينه وعلمه وعقله راضياً عنه).

لا شك أنني قد أطلت عليك أخي القارئ جداً، قبل أن أعرف لك الكتاب المراد عرضه، وهو بعنوان: مع العلامة الزركلي في كتابه الأعلام: تنبيهات جديدة على مواضع من الكتاب، ويليه، بيان الأوهام الواقعة في (النظرات) لأحمد العلاونة. وقد وقع الكتاب كاملاً في 333 صفحة، نصيب كتاب الأعلام منها 205 صفحات، والباقي لكتاب (النظرات). وجاء الكتاب بحجم كتاب الأعلام، إلا أنه لم يقسم كما قسم كتاب الزركلي على الأعمدة، وإنما سردت فيه الأسطر سرداً. وجلد باللون الأزرق لكي ينسجم مع كتاب الأعلام شكلاً ومضموناً.

وكان نهج الأستاذ العربي الفرياطي في كتابه أن يصحح ما لم يصححه الأخوان الأستاذ القدير محمد بن عبدالله آل رشيد، والأستاذ القدير أحمد العلاونة، وقد كان العربي مفيداً فيما تعقب فيه العلامة الزركلي في تراجم المغاربة على وجه الخصوص، وهو جهد يشكر عليه، فلو فعل كل أصحاب إقليم أو منطقة تصحيحات بهذا المنهج لكان هناك إضافة كبيرة لمثل هذا الكتاب الموسوعي.

وقد بلغت التراجم التي صححها الأستاذ العربي الفرياطي 304 تراجم، جعلها متسلسلة مرقمة، مبيناً في أعلى الصفحة رقم المجلد من كتاب الأعلام، ليستبين للقارئ مكان الترجمة من كتاب الأعلام.

ثم ذيل الكتاب ببيان الأوهام الواقعة في كتاب النظرات لأحمد العلاونة،ابتدأها بتوطئة بلغت 7 صفحات أبان فيها منهجه في النقد و ملحوظاته المنهجية التي وقع فيه العلاونة بحسب رأي الأستاذ العربي، وهي في أربع نقاط:

1- تراجم رواة الحديث.

2- تحلية الأعلام المتَرْجَمين.

3- اختصار الأسماء المعروفة.

4- التراجم المكررة التي حذف المكرر منها.

ثم أخذ في ضرب الأمثلة التي تدل إلى ما ذهب إليه.

وقد أجاد الأستاذ العربي في تعقبه وتصحيحه على الأعلام ووفق فيما ذهب إليه، ولعل العربي يتفق معي في أن مثل هذا الذي فات الزركلي ما كان ليفوته لو كان في هذا الوقت، مع تقديرنا لكل من تعقب الزركلي، إذا أخذنا في الحسبان أن المصادر ووسائل البحث لم تكن ميسرة للعلامة الزركلي بمثل ما هي متوافرة للمتعقبين، ودليل ذلك الطبعات الأولى من الكتاب التي طبعت في عصر الزركلي، وكيف راجع كل طبعة من غير أن ينبه إلى الأخطاء، أو ما نبه إليه من لدن معاصريه، ولعل إعادة قراءة مقدمته تغني عن الكلام وضرب الأمثلة.

وأختم بقولي إن الكتاب كغيره من الكتب وقع فيه بعض التطبيع والتكرار وهو قليل جداً، اتصلت على الأستاذ العربي وأمليتها عليه وهي لا تمثل شيئاً في الكتاب العربي مقارنة له مع الكتب الأجنبية التي تدقق آلياً قبل نزولها إلى الأسواق.

وإن كان لي من ملاحظة على عمل أخي العربي، فهي قسوة عبارته على الأستاذ العلاونة، وقد تناقشنا حولها وقدم ما يشفع بهذا التجاوز، مع العلم أنه ليس بين الأخوين من خصومة ولكنها سبق قلم.

سائلاً الله سبحانه وتعالى التوفيق لي وللجميع إلى الخير، متمنياً ألا يتناولني أخي العربي بنقد.

* قسم الآثار بكلية السياحة والآثار - جامعة الملك سعود.



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد