حينما صدر كتاب (فهارس المكتبة العربية في الخافقين) للأستاذ يوسف أسعد داغر سنة 1947 عن مطابع صادر ريحاني، في حينها كتب علاَّمة الخزائن العراقية الأستاذ كوركيس عواد مقالاً ضافياً في مجلة الكتاب، تناول الكتاب بشيء من الاستدراكات والتعليقات، والمقال جاء مكملاً في ثناياه بعضاً مما قد يعتري كل كتاب يكون موضوعه دائم التجدد.
عقد الأستاذ كوركيس عواد فصلاً تناول فيه (المستدركات على الكتب الباحثة عن الكتب) وهي المؤلفات التي وضعت للتعريف بالكتب على وجه التعميم لا التخصيص مما ذكر عن الكتب ومؤلفيها دون تعيين الخزائن التي توجد فيها على نحو ما فعله ابن النديم في (الفهرست) وحاجي خليفة في (كشف الظنون)، وأشار إلى بعض ما فات صاحب الكتاب، ومن ذلك:
1- (رسالة للبيروني في فهرسة كتب محمد بن زكريا الرازي)، ويليها رسالة ثانية في (فهرس مؤلفاته). وقد عني بنشرها معاً وتصحيحهما المستشرق بول كراوس في باريس سنة 1936 في 51 صفحة.
2- كتاب (معالم العلماء) وهو فهرس لكتب الشيعة وأسماء المصنفين منهم قديماً وحديثاً، وهو تتمة لكتاب (الفهرست) للطوسي: لابن شهراشوب، المتوفى سنة 588هـ. ونشره عباس إقبال في طهران سنة 1353هـ في 142 صفحة.
3- كتاب (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) للحافظ السخاوي المتوفى سنة 902هـ. وقد أشار إلى طبعته الصادرة في دمشق سنة 1349هـ في 174صفحة.
4- كتاب (أسامي الكتب والفنون مختصر كشف الظنون) للحاج لطف الله الشهير بالخزيندار، وقد ذكر أنَّ له نسخة خطية في خزانة الأوقاف العامة ببغداد برقم (1778) مؤرخة في سنة 1244هـ.
5- كتاب (صلة الخلف بموصول السلف) لمحمد بن سليمان المغربي السنوسي التارودنتي، رتب فيه أسماء الكتب فيه على حروف الهجاء، وله نسخةٌ خطية في خزانة الأوقاف العامة ببغداد برقم (6275) مؤرخة في سنة 1175هـ عن نسخة المؤلف.
ثم ذكر صاحب المقال وصفاً لبعض الفهارس الواردة ضمن بعض الكتب، وهو ضربٌ يغفل عنه الكثير ممن يتكلم عن مثل تلك الفهارس، وقد ذكر فيه بعض الأمثلة ومن ذلك:
- فهرس مؤلفات ابن الجوزي: وقد ورد بكماله في كتاب (مرآة الزمان) لسبط ابن الجوزي. وقد عنون الفصل بقوله (ذكر ما وقع لي بالشام من أسامي فهرست مصنفاته (مصنفات ابن الجوزي) ومجموعاته ومنقولاته ومؤلفاته.
- فهرس بمصنفات أبي الحسن الأشعري: وهو لابن عساكر الدمشقي، أورده في كتابه (تبيين كذب المفتري)، وذكر طبعته الدمشقية سنة 1347هـ.
- فهرس مصنفات ابن المعتز: للمستشرق كراتشكوفسكي وهي رسالة بالفرنسية طبعة سنة 1927م.
وهذا النوع من تتبع الفهارس الواردة ضمن بعض الكتب كثيرٌ في بابه، ومغفل عند سياقه، ولو تسنى لبعض الباحثين إفراده بمؤلف مستقل كي يسهل الوصول إليه عند الحاجة إليه لكان عملا محمودا.
ثم أشار الأستاذ لجملة من الفهارس التي قام بإعدادها، والتي خدم بها الباحثين في تراث المكتبة العربية، وذلك بذكره المستدركات على فهارس الكتب والتي شمل فيها الكلام على خزائن الكتب في استانبول والقاهرة والقدس والعراق وبلاد الهند والمغرب، ومن فوائد هذا المقال الزاخر تلك الملاحظات والتصويبات التي كانت خاتمة له، ولعلي أشير إلى بعض التصويبات والملاحظات التي قد تهم الباحثين.
- أشار إلى البون الشاسع بين طبعتي كتاب (إخبار الحكماء) للقفطي، ذاكراً أنَّ طبعة لبرت في ليبسك تفوق طبعة مكتبة الخانجي بالقاهرة وإن ظن البعض أن الثانية أفضل، مشيراً إلى الكم الهائل من الأوهام والأغلاط والتصحيفات فضلاً عن كونها تفتقد للفهارس الدقيقة التي تميزت بها الطبعة الأوروبية.
- استدرك على المؤلف في ثبت المقالات التي تصف بعض المخطوطات النادرة، مبيناً أن الكثير مما ذكره صاحب الكتاب قد طبع: كالإكليل للهمداني، وأخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي، والإعلان بالتوبيخ للسخاوي، وثمار القلوب في المضاف والمنسوب للثعالبي، وديوان ابن الخياط، والذخيرة لابن بسام، وعبث الوليد للمعري، وعقلاء المجانين للنيسابوري، والتفهيم لأوائل صناعة التنجيم للبيروني، وكتاب السموم لشاناق الهندي وغيرها.
واختم عرضي لهذا المقال بأن ما ذكرته لا يعدوا كونه إلماحة سريعة لم أفصل فيها لكثير مما ذكره، وهو جهدٌ ليس باليسير مقارنةً مع ما نراه اليوم من فهارس أقل ما يذكر عنها أنها نتاج التسابق للكسب المادي دون الحرص على الكسب العلمي، أو قوائم كمبيوترية خالية من الفحص والتدقيق . أضف إلى ذلك كله وهي لفتةٌ في أدب التأليف أنَّ النفوس الكبيرة هي التي تتقبل مثل هذه الاستدراكات بل وتفرحُ بها، وهذا ما يراه الباحث في كتابات كبار الكتاب والباحثين، في الوقت الذي تتسابق الضغائن وتتكاثر عند إبداء ملاحظةٍ أو تصحيح اسم لبعض محققي زماننا.. فهل الزمان هو الزمان.
كتبه - محمد بن عبد الله المباركي
almubarki@hotmail.com