إن حشد الدعايات والإعلانات المغرية في الفضائيات للترحيب بشهر رمضان المبارك، وحروبها الشرسة لكسب أكبر عدد من المشاهدين، يعد انقلابا في القيم والثوابت السليمة، إن لم يكن أحد أنواع الإرهاب الأخلاقي الذي يفتك بأمتنا!
فما أن يدخل شهر شعبان حتى تنهال الدعايات السخيفة لما سيتم عرضه من مسلسلات في رمضان الكريم دونما احترام لخصوصية هذا الشهر المبارك.
وحين نشكو من هذا الغثاء والإسفاف الذي تعرضه الفضائيات في كل حين - بل على مدار الساعة - فلأنه بلا شك يصيب مشاهديها بالغثيان، والقرف والقهر!
ولئن ظلت تلك القنوات تسرق حياء بناتنا وتنهب أخلاق أبنائنا وتدمر القيم والفضيلة على مدى أحد عشر شهراً، فلتترك لنا هذا الشهر الفضيل نتفيأ فيه نفحات ربانية علها تعيد بعض رائحة الحياء وبقية الأخلاق التي اغتالتها القنوات الفضائية دون رقيب!
وقد يطالبك البعض أن تكون رقيبا على نفسك وأولادك، ويقترح عليك التخلص من تلك القنوات بالأساليب المناسبة! وهنا ينبغي أن ندرك أنها لا تدخل بيتك عن طريق صحن والتقاط ليمكن التحكم بها، بل إنها تكاد تدخل عليك من أنبوب الماء وأسلاك الكهرباء كما يمكن مشاهدتها عن طريق الانترنت عبر خطوط الهاتف أو أثير الجوال!
إننا إزاء مصيبة كبرى إن لم تكن حلت بالفعل، حين يخرج ممثل في كل لحظة ليطلب من مشاهديه انتظاره في شهر رمضان، وليس واحدا أو اثنين، وليس مسلسلا أو عشرة بل عشرات من المسلسلات الطويلة التي يتسمَّر أمامها أبناؤنا طيلة هذا الشهر الكريم، فلا تدري هل صام أحدهم أو صلّى؟ وهو يتمطى بكسل، مذهولاً أمام ممثلة وضعت على وجهها شتى أنواع الأصباغ وممثل يكيل لها أشكال عبارات الغزل ويتحسس يديها وجسدها كما يفعل الزوجان وهما في خلوة!
وفي حين تصدح المآذن بالأذان وتقام الصلاة إثر الصلاة بينما قومنا سادرون في غيهم، حديثهم ينحصر بأي قناة تشاهدون وأي مسلسل تتابعون؟! وقد كانوا ممن يتساءلون بأي جزء تقرؤون وأي حزب تحفظون؟!
إني لأستعجب كيف بشهر تُفتَّح فيه أبواب الجنة وتصفَّد الشياطين، وهؤلاء الشياطين يتقافزون أمامنا من كل حدب وصوب، حتى اقترن شهر الخير بشهر المسلسلات! فتارة مسلسل تراجيدي يقطِّع الفؤاد ألماً ويملؤه حزنا فيصبح مراهقونا الصغار والكبار أمامه أسرى مقاطِعه، وتارة تظهر مشاهد تمثيلية تمزق أوتار القلب ضحكاً وانبساطا وكأننا أمة بلا همّ! أو كأن رمضان شهر حزن يحتاج لترفيه القلب وإزاحة هم الجوع الذي لا يشعر به صائموه لأنهم نائمون طيلة نهاره، قائمون -عفواً- مستيقظون طيلة ليله، فالقيام قاسٍ عليهم وعسير! فهو لعباد الله المخلصين الذين ينتظرون رمضان بشوق ستة أشهر ويدعون ربهم أن يبلغهم إياه، ثم يدعونه ستة أشهر ويرجونه أن يتقبل صيامهم وقيامهم.
أما هؤلاء الغافلون فماذا ينتظرون، وما تراهم يرجون بعد أن سلخوا من رمضان روحانيته؟!
***
الحكمة المنشودة : أقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا.
rogaia143@hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342