أمر لا يتنازع فيه اثنان، بل ويجدان أنه من العبث حتى مجرد التوقف ولو للحظات لمجرد التفكير في القيمة الكبرى لمكانة المرأة التي علّت من شأنها قيم، وأعراف، وعادات، وثقافات شعوب الأرض قاطبة قديمها وحديثها.
فما من أحد على وجه البصيرة بشرقها وغربها وشمالها وجنوبها .
إلا ويجد في المرأة منبع الحنان، والرقة، والأمان، ومصدر الإلهام والوجدان، وباعثة التشبث في حب الحياة، وفي الإجمال سبباً مباشراً في حب كل ما هو جميل في الحياة. لكن هذا الكائن الجميل بتلك الموصفات الرقيقة والبالغة الجمال التي تبعث دوماً إشعاعات جملية تنثر عبقاً أخاذاً يملأ الكون رونقاً، ويمنحه مزيداً من الحسن والبهاء قد يتنازل طواعية عن تأدية هذه الأدوار الجميلة، والبحث في مقابل ذلك عمّا ينقضاها تماماً، وبخاصة من هنّ على أبواب بناء حضن زوجي دافئ وارف الظلال.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها جملة المعتقدات والآراء الخاطئة يأتي على رأسها نظرتها لشريك حياتها ضمن إطار الأبوة، أو ولي الأمر الذي يتوقف دوره على توفير مستلزمات الحياة من مأكل، ومشرب، ومسكن، وغيرها من متطلبات الحياة من غير التفاتة إلى مقدار التضحيات والجهد الذي يبذله في وضع تلك الأمور بين يدي زوجته، ومن غير إبداء أدنى جهد لتشعره بمقدار الفخر والاعتزاز، بل والشكر لمحاولته المتسمية لخلق جو حياتي يبعث على الاستقرار والهدوء، ويُهيأ لمزيد من نمو أواصر المحبة والألفة والوئام بين الزوجين، والسبب في ذلك يعود إلى نظرتها القاصرة التي تجعلها ترى أن هذا دوره المنوط به والمتوقع منه القيام به، بل إنه يندرج ضمن صميم مسؤولياته الرئيسية التي يجب عليها القيام بها من دون أدنى تساؤل، لذا نجدها دوماً تحدث نفسها بعبارات فحواها مشابه لمثل إن كان غير قادر على القيام بمثل ذلك فلماذا إذا أقدم على خطوة الارتباط بزوجة مثلي. ومن هنا فهو لا يستحق، أو بعبارة أكثر دقة يجب ألا أحمل له قدراً كبيراً من الشكر والتقدير؛ إذ هو تماما كما الأب الذي كان سببا بعد الله في إيجاد أبنائه ومن ثم فعليه من غير كثير مساءلة توفير مستلزمات الحياة لأبنائه. والمرأة بهذه النظرة القاصرة تسهم في الوقوف حائلاً منيعاً أمام التمتع بلذة جمال الحياة.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها معتقداً آخر يتمثل في تعميم الأحكام والتجارب التي وقفت على أحداثها، أو حتى سمعت بها من قريناتها، وأقاربها، وربما من عدد من أفراد المجتمع. فهناك الكثير من حديثات الزواج اللاتي لا يستطعن فكاكاً من هاجس الشك والخوف في كل تصرف من تصرفات شريك حياتها؛ فهي مثلاً تترجم محاولة زوجها لإبداء قدر من اللطافة، والأدب، والاحترام المستحق لها على أنه جسر مؤقت لبناء ثقة وقتية تمكّنه من الانقضاض بنهم الجائع في الوقت المناسب على ما يقع تحت يديها من دخل مادي. ومن هنا نرها -لأنها واقعة تحت هذا الهاجس السوداوي- متوجسة من كل تصرف يقوم به وزجها، وتمتنع عن مشاركته في تحمّل بعض من مسؤوليات منزل الزوجية البسيطة التي لو قامت بها لخلقت حالة من الارتياح الأسري الذي حتماً سيلقي يلقي بضلاله على بث مزيد من قطرات الحب والوئام بين الزوجين. يجب الإقرار بالكثير من المواقف والتصرفات السلبية التي تخلق عدم الاطمئنان، وضمانة أمان جانب الرجل، ولكن الاعتماد على الحكم بذلك على إطلاقه وعموميته بدلاً من التعامل بواقعية وعقلانية مع الحالة الفردية، أو المستقلة التي تعيشها المرأة مع زوجها يقضى على أملها في الاستمتاع بجمال الحياة مع رفيق دربها.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها معتقد آخر يتمثل في التوقف طويلاً عند صغائر الأمور التي ليست من صميم وأساس العلاقة الزوجية، والدوران حولها في كل وقت وحين، والعمل على تضخيمها، وجعلها حجر عثرة تعيق تحقيق أي تقدم في العلاقة الزوجية، وبناء أرضية صلبة لعلاقة متينة تمنع حدوث أية تصدع مستقبلي لحياة زوجية بدأت لتوها إياها. واستحضار مجموعة من الأمور الثانوية أينما ذهبت وحلّت مدعاة لتقويض علاقة المرأة بشريك حياتها، ومن ثم حرمانها وزوجها - الذي لم يمض على اقترانها به إلا النزر اليسير- من فرصة الاحتفاء بجمال بالحياة، والتقوقع في نهاية المطاف ضمن قالب من الشقاء والتعاسة.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها معتقد آخر يتمثل في أن المبادرة والخطوة الأولى يجب أن تنطلق من الرجل في كل شأن من شؤون الحياة الزوجية التي بدءوا للتو مشوارها. هو -أي الرجل- من يجب أن يبادر في التودد لها، ومبادلتها المحبة، والرحمة، والعطف، والإعجاب، والدعم، والتشجيع، والإهداء أما هي فدورها في ذلك يتوقف على دور المتلقفة الآخذة من غير أن يُنتظر أن يكون لها دور المبادر، والمحفّز والفاعل المؤثر في تلك الأمور التي هي بمثابة أهمية وجود الهواء للكائن الحي؛ إذ لا يمكن لحياة زوجية أن تيسر بشكل سلسل طبيعي بدون أن يكون للمرأة الدور الأكبر، بل والمنطلق في حدوث أمور كهذه؛ إذ يجب أن تكون صانعتها والمبرمجة لعلمية ما يمكن أن يطلق عليه (روح المبادرة) لخلق جو معطرّ بأجواء من الألفة والمحبة التي إن بادرت المرأة بالعمل على خلقها وإيجادها تكون بذلك قد عملت على دفع زوجها لمبادلتها، ومجاراة صنيعها به، بل وربما السعي بكل ما أوتي من قوة ليخطو خطوات أبعد من تلك التي قدمته له زوجته. واقع الحال يشهد بأن المرأة بوقوفها منتظرة لعنصر المبادرة لتأتي أولاً من رفيق دربها الذي بدأت الخطوة الأول في رحلة الألف ميل معه يجعلها بصنيعها هذا بمثابة من بدأ التحضير مبكراً لدفن جثمان روح المبادرة جالبة السعادة الزوجية وهي بذلك تكون قد اغتالت بمحض إرادتها الاحتفاء ببهجة زينة وجمال الحياة.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها معتقد آخر يبدو في الإصغاء ملياً لأراء بالية، ومحاولة التعامل من منظور مواقف فاشلة، أو غير واقعية ومبالغ في تصويرها. فنقص التجربة والبحث عن كيفية التعامل مع النقلة النوعية في حياة المرأة يجعلها في حالة دائمة للبحث عن رأي هنا وآخر هناك عن كيفية التعامل مع هذه الحالة وتلك مما يجعلها تقع تحت طائلة آراء يغلب عليها عدم الحنكة، والروية، وبُعد النظر مُشكّلة بذلك إطاراً تنطلق منه الزوجة حديثة العهد بالارتباط الأسري في تعاملها مع زوجها. فليس من الحكمة محاولة أن تسعي المرأة الحديثة العهد بالزواج لنسخ تجربة عاشها آخرون لهم ظروفهم وأحوالهم الخاصة بهم والتي ليس بالضرورة بمكان أن تتوافر لحياتها التي تعيشها الآن لها، ومحاولة تكرار التجارب التي مروا بها بحذافيرها من غير اعتبار لما هي عليه الحال الخاصة التي تنفرد بها حياتها الخاصة. والمرأة بمثل هذا النوع من التصرف تقع أسيرة لإطار حياة حدّ حدوده أنامل غيرها، وانغماسها فيه، ومحاولتها بين فينة وآخر تلقي وتلقف المزيد من تلك الآراء غير المسدّدة يحوّلها إلى آلة مغتالة مقوضة لفرصة الاستمتاع بجمال الحياة.
تغتال المرأة جمال الحياة التي هي مقبلة على خوضها عندما تقرر أن تحمل إلى عش زواجها معتقد آخر تترجمه على أرض واقع حياتها الزوجية من خلال نظرة قاصرة ترى فيها أن ارتباطها ما هو إلا فرصة لاستمتاع يطول أمده ويكون مصحوباً بإنجاب عدد من الأطفال ناسية بذلك أن الحياة الزوجية أبعد من ذلك بكثير؛ فهي تنطوي على عدد من المسؤوليات، والتضحيات، والتنازلات، والعمل بروح التعاون، وحس صادق، ويتطلب منها معاملة حكيمة، وتقديس للحق والواجب المنوط بها تجاه وزجها، وإبداء قدر من الاحترام والتقدير. كما أن استكانتها لهذا المفهوم الضيق يجعل من حياتها الزوجية رتيبة مملة تسير على وتيرة واحدة من غير سعي جاد منها لمحاولة البحث عن وسائل تغيير وتجديد مستمر لتكلك الحياة، وربما يؤدي ذلك إلى فقر في المشاعر من قبل المرأة تختفي معه لمساتها الرقيقة الحانية، وتسبغ عليه من نسمات الرحمة التي تملك منه ما لا يملكه. والمرأة بذلك وقفت عقبة في وجه الاحتفاء بجمال الحياة فلا هي التي أصابت في مفهوم الحياة الزوجية وما تنطوي عليها، ولا هي التي حاولت مدها بعنصر التجديد والحيوية، وأضافت عليها لمسات حانية.
هذه جملة من الجوانب المتناثرة التي تجعل من رمز الجمال والرقة الدنيوية معولاً، أو أداة يغتال فيه هذا الكائن النفيس على قلوب الجميع جمال الحياة ورونقها، ويجعلها مشحونة باضطرابات وأمواج عاتية غير مستقرة تسبب الإرباك والقلق الدائم لروحين تنشدان الهدوء، والسكينة، والدعة، والاستقرار، والامتزاج حتى تغدوان روحاً واحدة تحلم، وتنمو، وتتطلع، في اتجاه واحد، وتبحث عن غاية واحدة اسمها السعادة. فهلاّ أعادت غاليتنا النفيسة المرأة النظر في تصرفاتها، ومواقفها، ونظراتها فما زال في الوقت متسع، لاسيما وأن عمرها الزوجي -إن جاز تسميته بذلك- قد ابتدئ لتوه، وهي قادرة على العبور بحياتها الزوجية إلى بر الأمان، والوصول بها إلى أعلى درجات النجاح والسعادة.
alseghayer@yahoo.com