من يعرف إقليم القوقاز من الناحية الطبوغرافية والجيوغرافية والجيوبولوتيكية يمكنه أن يدرك ما وراء الصراع فيه، والقوفاز يشكل منطقة تفصل بين آسيا وأوروبا، ويعتبر من أعظم المناطق في العالم من حيث التنوع الثقافية والعرقي ، ويشمل الإقليم الجمهوريات التي قامت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وهي: جورجيا، أرمينيا، أذربيجان..
.. وهنالك ثلاث مقاطعات في الإقليم تدعي الاستقلال، وهي: أبخازيا، أوسستيا الجنوبية، ناجورنو - كاراباخ.
مقاطعة أبخازيا مقاطعة ذاتية الحكم تقع في شمال غرب جورجيا بالقوقاز، وكانت تعرف عند العرب ببلاد الأباظة، ولم تحظ باعتراف دولي، وتشكل أوسستيا الجنوبية التي هي جزء من جمهورية جورجيا محور الصراع الحالي القائم بين روسيا وجورجيا، وتحكمها حكومة ذاتية بناء على استفتاء على الاستقلال من جورجيا في نوفمبر 2006م أما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجميع البلدان في العالم تعترف بأن أوسستيا الجنوبية جزء من جورجيا.
لم يمض على استلام مدفيديف مقاليد رئاسة روسيا إلا ثلاثة شهور ونيفا، خلفا لبوتن الذي تولى منصب نائب الرئيس حتى تعقدت العلاقة بين بلاده وجورجيا إلى درجة غزوها في عقر دارها، وأصبح الغزو لدولة مجاورة أو غير مجاورة إجراء تصفى فيه الحسابات أو تنفذ من خلاله الخطط والاستراتيجيات من المتوقع أن تنسحب روسيا من جورجيا، حيث إنها بالنسبة لعدد من الدول الغربية، وربما غير الغربية، قد تجاوزت بغزوها هذا خطوطاً حمراء، وإن لم تفعل ذلك فكيف سوف ترتب علاقاتها الطبيعية مع الغرب؟ وروسيا لا تريد أن تكون في عزلة سياسية أو اقتصادية، وتفسير عدم الانسحاب الفوري يعتبر شيئاً غريبا، ووفق ما أوردته النييورك تايمز فإن الروس يحتلون مراكز استراتيجية في جورجيا وكأنهم في غير عجلة من أمرهم على الانسحاب.
أما سكاشفيلي الرئيس الجورجي، ربما كان يظن أن أمريكا سوف تساعده إذا خرج من أوسستيا الجنوبية، ويذكر المراقبون السياسيون أن أمريكا لن تدخل في صراع مباشر مع روسيا بسبب جورجيا، والمقاطعتان، أخبازيا وأوسستيا الجنوبية يعود استقلالهما عن جورجيا إلى عام 1917م، ثم أصبحتا ضمن جورجيا عندما كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، ومنذ انهيار الاتحاد من سبعة عشر عاماً تحاول المقاطعتان الاستقلال التام وبتأييد من روسيا، ويعتبر هذا من أهم أسباب الصراع بين روسيا وجورجيا.
ولربما ما تقوم به روسيا في الوقت الحاضر بالنسبة لجورجيا عبارة عن لفت الانتباه لسلوكيات أمريكا، ولاسيما في عهد الجمهوريين وخلال رئاسة بوش الابن على وجه التحديد التي اتسمت أحيانا إما بالتسلط المتمثل في غزو أفغانستان والعراق وتأييد لاستقلال كوسوفا، ونصب مضادات صاروخية في أوروبا الشرقية، أو صرف الانتباه عن الدول ذات الوزن الثقيل في الجانب الجيوبلوتيكي، كروسيا والصين والهند، من ناحية أخرى. والمعلوم أن أمريكا لا تستطيع عمل كل شيء في كل مكان من العالم.
والسؤال الذي يمكن طرحه: هل تعود الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا بسبب كل هذه التفاعلات؟ هناك من يستبعد ذلك لأن كلا من أمريكا وروسيا في حاجة إلى بعضهما، وما يحصل الآن جاء في فترة رئاسية جديدة بالنسبة للرئيس الروسي وفترة رئاسية توشك على الانتهاء بالنسبة للرئيس الأمريكي، ويعتبر بوتن، مساعد الرئيس الروسي هو القوة الخلفية بالنسبة للإدارة الروسية، وهذا من شأنه أن يسهم في توصل حل لقضية جورجيا.
وقد يطرح أسئلة أخرى على النحو التالي: كيف بدولة في القرن الواحد والعشرين أن تقوم بغزو دولة أخرى؟ وما الفرق بين غزو أمريكا للعراق وغزو روسيا لجمهورية جورجيا؟ أم أن أمريكا لا تحب إلا نفسها، وتريد الاستحواذ على كل شيء في كل مكان؟ هذا من الصعوبة بمكان، كما سبق وذكر، كما أن السياسة التسلطية ليست في صالح الدولة أو الدول المتسلطة سواء في المدى القريب أو البعيد. وفي الختام يمكن القول: أن لو حاولت روسيا احتلال جورجيا، وهذا مستبعد فسيكون ذلك سببا في عودة الحرب الباردة، ولو كانت جورجيا في عضوية الناتو لكان ذلك مسبباً في صراع عسكري.
وأخيراً هل تشكل سلوكيات أمريكا في العالم التي لا ترضى عن معظمها روسيا مبرراً لما تفعله روسيا ضد جورجيا؟، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، قاصدين أنه كما أن لأمريكا أطماعاً وخططاً جيواستراتيجية فلروسيا مثلها، سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم عسكرية.