في قلب كل قانون ظلم وجور، وغالباً ما ينكشف هذا الجور والظلم بمجرد أن نطبق ذلك القانون بنصه الحرفي بحق مظالم كل الناس ومطالبهم، دون مراعاة لخصوصية بعض المواقف، هذا الطرح ليس دعوة لتجاوز القانون وإسقاط هيبة اللوائح والأنظمة، كما أن هذا الطرح لا يتعارض إطلاقاً مع كون الناس جميعاً متساوين أمام القانون بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الاجتماعية أو المذهبية عندما ننظر في تطبيق القانون يجب ألا نتوقف عند مجرد تطبيق نصوصه الحرفية، بل لا بد من مراعاة روح القانون وطبيعة السياق الذي يطبق فيه، فإذا ما تبين أن إجازة أمر ما أو الموافقة عليه لا يتعارض مع مصلحة عامة وليس فيه ظلم لآخرين، عندئذ لن أجد مبرراً واحداً يجعل (مافيا حسب النظام) (كما يصفهم الدكتور بدر كريم) يثنون ركبهم أمام نص القانون فيعطلوا مشروعاً تربوياً واعداً، أو فكرة تربوية رائدة، أو يمنعوا الناس حقوقهم أو يحجبوا فرصهم بحجة مخالفة نص النظام. إن الذين صاغوا القوانين والأنظمة يعرفون تماماً أنها قد لا تنطبق تماماً على مواقف وحالات محددة، وهم عندئذ يتركون القرار لتقدير القيادات. هنا يجب أن نعترف بأن معرفة روح القانون وإمكانية تطبيقه على مواقف بعينها يتطلب رؤية عميقة وإلماما شاملا ودقيقا بكل جوانب الموقف، ويتطلب فوق ذلك ثقة تامة من صانع القرار. إنني أستطيع أن أفهم لماذا يتوقف موظف تنفيذي عن مجرد التفكير في إجازة أمر ما لعدم توافق ذلك الأمر مع النص الحرفي للنظام، ولكنني لا أستطيع أن أفهم لماذا لا يفكر قيادي مسؤول خارج النص الحرفي للنظام ليكلف نفسه عناء التأمل في الموقف ومدى تعارضه مع المصلحة العامة أو مصالح الآخرين. إن إصرارنا على إطالة بقاء قيادات لم تعد تناسب المرحلة سيعطل مشروعاتنا التربوية، بل وسيعطل أيضاً مصالح وتطلعات الناس بسبب عدم استعداد تلك القيادات للخروج من صندوق تصوراتها التقليدي لترى النظام وأهدافه البعيدة السامية.