Al Jazirah NewsPaper Saturday  30/08/2008 G Issue 13120
السبت 29 شعبان 1429   العدد  13120
مجداف
على من تقع مسؤولية تعثر مشروعات التنمية؟
فضل بن سعد البوعينين

تحفظ أحد الأخوة القراء على بعض ما جاء في مقالة الأسبوع الماضي، وتحميل الوزراء مسؤولية تأخر تنفيذ المشروعات الحيوية، وأبدى ملاحظات قيمة دفاعاً عن وزارته، خاصة فيما يتعلق بأسلوب ترسية المشروعات على أصحاب العطاءات الأقل الذي يَعتقِد أنه المتسبب في خلق الأزمات وتعثر المشروعات الحكومية.

أسلوب التعامل مع المناقصات الحكومية يعيدني إلى مقالة سابقة أشرت فيها إلى تميز شركة أرامكو السعودية في اختيار العطاء الأنسب لمشروعاتها، وإن لم يكن الأقل، اعتماداً على تقييم الشركة الدقيق لتكلفة المشروع وترجيحها العطاء الذي يفوق التكلفة بنسبة معقولة تشمل الربح وهامش التحوط المخصص لمواجهة أخطار السوق وتغير الأسعار. تصنيف الشركات هو أيضاً أحد العوامل الرئيسة التي ساعدت أرامكو في تجنب الكثير من عثرات المقاولين وتأخر تنفيذ مشروعاتها الخاصة.

قد يكون أسلوب ترسية المشروعات الحكومية سبباً من أسباب تعثر بعضها، ولكن ماذا عن الأسباب الأخرى الأكثر أهمية!!

هناك وزارات نجحت في تنفيذ مشروعاتها بدقة، ووزارات ومؤسسات حكومية أخرى واجهت الكثير من الأزمات والعقبات، ولعلي استشهد ببعض الأمثلة الحية. العام 1423ه رصدت وزارة المالية 10 ملايين ريال لتنفيذ مشروع (تطوير وتوسعة أرصفة ميناء صيد الأسماك بالجبيل، ميناء الجبيل التجاري) بناء على دراسة أعدها أحد مستشاري المؤسسة الذي قيم تكلفة المشروع ب4 ملايين ريال تقريبا. تأخر تنفيذ المشروع لأسباب مختلفة، وأعيد طرحه للمناقصة العام 1428ه. وبسبب التضخم وارتفاع تكلفة البناء والتشييد تضاعفت تكلفة المشروع، ووجدت المؤسسة العامة للموانئ نفسها في ورطة بعد أن اكتشفت أن قيمة أقل العطاءات المقدمة كانت في حدود 53 مليون ريال. أعتقد أن تأخر المؤسسة العامة للموانئ في تنفيذ المشروع رغم رصد ميزانيته هو المتسبب في زيادة التكلفة بنسبة 530 في المائة ولا شيء غير ذلك.

إضافة إلى تأخر إنجاز المشروعات الحيوية، هناك أيضاً معضلة جودة التنفيذ، واستشهد هنا بنفق الدمام الذي أصبح خطراً يهدد سلامة المركبات وحياة سائقيها. أرجعت اللجنة التي عُهد إليها التحقيق في قضية النفق المشكلة إلى أخطاء في التصميم؛ وأخطاء التصميم لا علاقة لها بالأسلوب المتبع في ترسية المشروع ومع ذلك حدثت الكارثة!. طريق الدمام الجبيل السريع تسبب في الكثير من الوفيات نتيجة تدني وسائل السلامة المتبعة في تنفيذه، وبطء الإنجاز. الأجزاء المنفذة منه تخفي تحت طبقاتها الهشة الكثير من أسرار ضعف الرقابة، ورداءة التنفيذ؛ الأمر ينطبق أيضاً على طريق أبوحدرية السريع. بعض مباني المراكز الحكومية في مناطق المملكة تعرضت لمشكلات التنفيذ، وقد وقفت على بعضها، وكان السبب المباشر في تعطل العمل فيها تنازل المقاول الرئيس عن بعضها لمقاولين من الباطن، أي أن المقاول الرئيس المصنف من الدرجة الأولى، أو هكذا يفترض، استغل اسم شركته للحصول على العقود ومن ثم توزيعها على مقاولي الباطن بعد تحصيل أرباحه (عمولته) مقدماً. الشواهد كثيرة، وجلها على علاقة مباشرة بالإدارة، الرقابة، والتهاون في محاسبة المقصرين.

مشكلتنا أننا ندفع الأموال الضخمة لتنفيذ مشروعات حيوية دون أن نبذل الجهد الكافي في إعداد الدراسات الهندسية المحكمة وفق المعايير العالمية، واختيار الشركات القادرة على تنفيذها وفق المواصفات، ونتجاهل أهمية الوقت للوطن والمواطن فنقع في مشكلات التعثر، جودة التنفيذ، احترام الوقت، مصلحة المواطنين، والمحافظة على الأموال العامة.

لدينا تجارب ناجحة لم نجتهد في تطويرها، وتجارب فاشلة نصر على عدم تغييرها وإن تسببت في إضاعة الأموال، وخلق فجوة تنموية يصعب تجاوزها في الوقت المنظور.

من التجارب الناجحة تجربة تصميم وإنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين وفق المعايير العالمية، وعلاقتنا مع الشركات العالمية المتخصصة التي تولت وضع الإستراتيجيات، التصميم الشامل لخمسين عاماً تقريباً بقيادة شركة (بكتل) العالمية، وتجاربنا مع الشركات الكورية المتخصصة في الإنشاءات العامة التي نجحت في تجهيز بعض البُنى التحتية، وميناءي الجبيل، والشركات العالمية التي تولت تنفيذ الطرق البرية وغيرها الكثير. أما التجارب الفاشلة فترتبط بأسلوب إدارة المناقصات وترسية المشروعات على العطاءات الأقل، بغض النظر عن الكفاءة، والاعتماد على الشركات الوطنية العاجزة عن التعامل مع مشروعات التنمية الضخمة وإغلاق الباب أمام الشركات العالمية، والقبول - ولو بطريقة مستترة - بتحويل تنفيذ المشروعات لمقاولين من الباطن، والتساهل في إعداد الدراسات الهندسية المطابقة لمعايير الجودة العالمية المحققة لاحتياجات المستقبل، وضعف الرقابة، وعدم الالتزام بالوقت، والتساهل في محاسبة المقصرين.

ما زلت أعتقد أن على الوزراء تقع المسؤولية الأكبر في ضعف الإنجازات التنموية مقارنة بالأموال الضخمة التي وجهها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو نائبه الأمير سلطان بن عبدالعزيز لمشروعات التنمية؛ وأن للمحاسبة دوراً فاعلاً في تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، ومجلس الشورى هو المكان الأنسب لمناقشة الوزراء، والتأكد من سلامة المشروعات الوطنية، وإنجازها وفق الخطط التنموية الشاملة التي أقرها ولي الأمر، تحقيقاً للمصلحة العامة. زيادة صلاحيات مجلس الشورى الموقر، وتفعيل دوره الرقابي يمكن أن يحقق الكثير من النتائج الإيجابية للوطن والمواطنين.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد