Al Jazirah NewsPaper Friday  29/08/2008 G Issue 13119
الجمعة 28 شعبان 1429   العدد  13119
بعد أن أصبحت ظاهرة خطيرة
اللواء العتيبي: بيع مواد منتهية الصلاحية يعد شروعاً في القتل

الجزيرة - سعود الشيباني:

كشفت الحملات الأمنية التي قداتها شرطة منطقة الرياض مؤخراً وجود عدة مطاعم وبوفيهات تمارس الغش التجاري في بيع مواد أولية منتهية الصلاحية، حيث تقوم العمالة الوافدة بشراء مواد غذائية منتهية الصلاحية وبيعها في وضح النهار دون خوف من أنظمة الأمانة التي لا تتجاوز فرض عقوبات بسيطة أقل بكثير من دخلهم اليومي.

ومن هنا طالب عدد من المسؤولين والأكاديميين تطبيق أقصى العقوبة بحق أصحاب المطاعم التي تمارس بيع مواد منتهية الصلاحية مطالبين بأن من يثبت عليه بيع هذه المواد السامة تحول قضيته إلى قضية جنائية.

فمؤخراً عُثر على مطعم مشهور يمارس بيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية، حيث أكدت فرق الأمانة بأن هذا المطعم سبق أن صدر بحقه غرامة مالية قدرها (17500) ريال وواصل المطعم المخالفة دون الخوف من العقوبة المالية حيث أن دخله الشهري يتجاوز الـ(300) ألف ريال. وأرجع عدد من المسؤولين والأكاديميين سبب ذلك إلى معرفة المخالفين لأنظمة الأمانة التي لا تتجاوز فرض عقوبة مالية وإغلاق المحل لفترة قصيرة.

وهذا ما أكده مدير عام الإدارة العامة لصحة البيئة بأمانة منطقة الرياض المهندس سليمان البطحي في تصريح ل(الجزيرة) مؤكداً أن الأنظمة التي تطبقها الأمانة حسب اللوائح والأنظمة هو تغريم المخالفين مالياً أو إغلاق المحل لفترة قصيرة، ولكني أؤيد أن تحال القضية إلى جنائية وليس فقط مخالفة عادية، حيث إن من يشرع في بيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية يساهم في انتشار الأمراض التي ربما تتسبب في الوفاة، ناهيك عن الخسائر التي تلحق بالدولة كالعلاج للمرضى.

أما اللواء (م) الدكتور إبراهيم بن عويض العتيبي فطالب خلال حديثه أن يطبق بحق من يبيع أي مواد غذائية أقصى العقوبات ويعامل كشخص ارتكب قضية جنائية حيث إن هذا العمل يعد شروعاً في القتل نظراً لأن من يمارس ذلك هدفه دائماً الربح المادي فقط دون المراعاة لصحة البشر التي تعد في نظر الدولة من الأمور التي لا مساومة عليها.

واستغرب اللواء العتيبي من ممارسة ضعاف النفوس بيع المواد الغذائية المنتهية الصلاحية دون رادع ديني.

أما الكاتب الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين فقال: ليس بالغريب تلاعب العمالة الأجنبية بالأنظمة والقوانين، وتهاونها بصحة الإنسان وسلامة البيئة، فمعظم العمالة الوافدة التي تعمل لحسابها الخاص مقابل دفع رسوم شهرية للكفلاء وجزء لا يستهان به من العمالة التي تعمل تحت مسؤولية كفلائها امنتهنت أسلوب الإساءة، والإضرار بالوطن والمواطنين وكل من يقوده حظه العاثر للاستفادة من خدماتهم مدفوعة التكلفة، وكما قيل (من أمن العقوبة أساء الأدب) فقد أمن هؤلاء المخالفون العقوبة، وضمنوا استمرارهم في العمل فوق تراب هذه الأرض الطيبة مهما ارتكبوا من مخالفات تصل إلى مرحلة الجريمة، ولولا أمنه غير المبرر من عقوبة يستحقونها لما استمرؤوا في مخالفة الأنظمة والقوانين ولما عرضوا حياة البشر للخطر. ومن اللافت أن المطعم المدان بتقديمه وجبات محتوية على مواد منتهية صلاحيتها قد حررت له مخالفات سابقة، ولم يردعه ذلك من مواصلة إجرامه بحق البشر طالما أن العقوبة تنتهي بتحرير مخالفة ربما لا تتجاوز الألفي ريال في الوقت الذي يحقق دخلاً شهرياً يقرب من 300 ألف ريال!!

دون أدنى شك هناك انعكاسات سلبية أمنية، صحية ومالية تحدث بسبب انتشار ظاهرة تقديم الأطعمة المغشوشة، واستباحة العمالة الوافدة للأنظمة والقوانين، وتعريضها صحة الإنسان وسلامة البيئة للخطر. أما النواحي المالية فهي كثيرة، بدءاً من الضرر المترتب على إضافة الأموال في شراء مواد فاسدة تلحق الضرر بآكليها، وتحملهم مصاريف العلاج الباهظة للتداوي مما تتسبب به تلك الأطعمة.

وما يقع على المدينة الحاضنة لمثل هذه المطاعم الرخيصة التي يمكن أن تضغط على المطاعم الأخرى التي لا تستطيع مجاراتها في التسويق فتنتهج نهجها في مخالفة الأنظمة والقوانين مما يؤدي إلى إنحدار مستوى الخدمات إلى الحضيض ويؤثر سلباً على مستوى قطاع التغذية مروراً بتدوير الأغذية الفاسدة وإعادة بيعها بدلاً من إتلافها، واستلام ثمنها وهي مبالغ محرمة شرعاً وقانوناً وربما استغلال تلك الأموال في خلق تجارة مزدهرة للمواد الفاسدة تقوم على مبدأ الغش والاحتيال والسرقة والرشوة التي يمكن تقديمها لكل من يسهل شراء ذمته مقابل المساعدة في دعم تجارة المواد الفاسدة.

إضافة إلى ذلك، فمثل هذه المطاعم تدعم المخالفين الذين يفترض أن يتحملوا جريرة حيازتهم للأطعمة الفاسدة أو تسببهم بها من خلال دفعهم أموالاً لهم، وإن كانت بسيطة، في الوقت الذي كان من المفترض أن يتحملوا دفع غرامات باهظة، وتكلفة إتلافهم تلك الأطعمة بالطرق الآمنة.

ويضيف البوعينين أعتقد أن الحل الأمثل لمكافحة مثل هذه المخالفات القاتلة، وأية مخالفات أخرى، هو تشديد العقاب، وإعلانه، وعدم التهاون في تطبيقه بأي حال من الأحوال. يفترض أن لا تقف العقوبة على الغرامة بل تتجاوزها إلى أمور يمكن أن تضمن عدم تكرار هذه المخالفة، وأن تكون درساً للآخرين.

أعتقد أن أشد العقوبات التي يفترض أن تتخذ في حق المخالفين يمكن أن تنحصر في الغرامة المغلظة، تسفير المخالفين مع منعهم من دخول المملكة مجدداً بأمر القانون، والتشهير بهم إضافة إلى إغلاق المحل نهائياً إذا ما ثبت تقديمه لأطعمة يمكن أن تؤدي بآكليها إلى الوفاة، أو أطعمة محرمة شرعاً، أو تكراره لمخالفة الأنظمة والقوانين في المخالفات التي يمكن تجاوزها في المرة الأولى.

مثل هذه العقوبات ستفضي إلى إخراج المخالفين من السوق، وستساعد على إعادة هيبة النظام، وحماية صحة الإنسان، وسلامة البيئة.

أما الأكاديمي والمستشار القانوني الدكتور فهد بن حمود العنزي فقال: بالنسبة لمسؤولية أصحاب المطاعم أو العاملين فيها الذين يقدمون لزبائنهم مأكولات منتهية الصلاحية فإن ذلك يعد من الأعمال التي تترتب عليها مسؤولية جنائية ولا ينبغي النظر إليها باعتبارها مخالفة تترتب عليها عقوبة بسيطة متمثلة بغرامة أو إغلاق محل. فالحقيقة يجب أن تطال هذه المسؤولية الأشخاص أنفسهم سواء أكانوا مالكين أو عاملين في تلك المطاعم لأن ذلك يعد ضرباً من ضروب الغش التجاري ولذلك نجد أن نظام مكافحة الغش التجاري ينص على عقوبات تصل إلى السجن وإغلاق المحل لمن يبيع أو يطرح للبيع أو يحوز شيئاً من أغذية الإنسان أو الحيوان المغشوشة من حيث المتطلبات أو الفاسدة. وقد يعتقد البعض بأن هذا الأمر قاصر على محلات بيع الأغذية فقط، فمن ناحية قانونية فإن هذا الأمر يشمل المطاعم حيث إن العلاقة بين الزبون والمطعم هي علاقة قانونية مبنية على بيع طعام. وفي هذا الجانب ينبغي أن نفرق بين العقوبة الإدارية التي يتم تطبيقها على المطعم وهي الإغلاق الدائم أو المؤقت وبين العقوبة ذات الطابع الجنائي التي يتم تطبيقها على الأشخاص أنفسهم من أصحاب المطاعم أو العاملين فيها، وهذه هي التي ينبغي التشدد وعدم التساهل فيها واعتبار أن الفعل الذي يقومون به والمتمثل بتقديم أغذية فاسدة للزبائن فعلاً جنائياً يُسألون عنه شخصياً وذلك بالنظر على النتائج الصحية الخطيرة التي تترتب على استهلاك مثل هذه الأغذية وكذلك النتائج الاقتصادية المترتبة على تحمل الدولة أو المواطنين أنفسهم كلفة العلاج أيضاً. إن التساهل في اعتبار هذه الأعمال من قبيل المخالفات الإدارية سيشجع ضعاف النفوس على اقتراف وتكرار مثل هذه الأعمال، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، هذا إذا ما علمنا أن الغذاء الصحي والنظيف هو أبسط حق من حقوق المستهلكين، وهي أيضاً منتوجات تصنع بالخفاء وبعيداً عن عين المستهلك، كما أن مجتمعنا وبمختلف فئاته العمرية يعتمد على جزء كبير من غذائه اليومي على ما تقدمه المطاعم من مأكولات.

وقد يقول قائل أنه حتى تقوم المسؤولية الجنائية يجب توافر القصد الجنائي وهو أن يقصد من يقدم مثل هذه الأغذية الفاسدة إحداث الضرر بالضحية وهو الزبون، ولكن من وجهة نظر شخصية فإن مجرد العلم من جانب من يقوم بتقديم مثل هذه الأغذية بأن هناك ضرراً سيلحق بالمستهلك فإن ذلك يجعل منه سيء النية ومسؤولاً مسؤولية جنائية عمَّا يقوم به من أفعال.

وطالب الدكتور العنزي في نهاية حديثه لـ(الجزيرة) بأن يتم وضع عقوبات رادعة على أصحاب المطاعم والعاملين فيها.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد