الرياض - خاص ب«الجزيرة»:
مع اقتراب شهر رمضان، يكثّف الاهتمام بالمساجد من حيث إعدادها، وتهيئتها للشهر الكريم، نظراً للإقبال الكبير على بيوت الله، ولكن الملحوظ الاهتمام الأكبر من القائمين على المساجد بمكبرات الصوت والصدى، وما تحدثه هذه الأجهزة من ارتفاع معدلات الصوت بطريقة لافتة للنظر، الأمر الذي يحدث نوعاً من تداخل الأصوات بين المساجد المجاورة، مما يفقد الخشوع، وإن كان (البعض) يرى في هذه الأجهزة، وما توفره من قوة في الصوت، وحسن القراءة تغنياً بالقرآن.. والسؤال: إلى أي مدى تؤثّر هذه الأجهزة الخاصة في خشوع المصلين؟ أم أن هذه ضرورة لإظهار حسن صوت الإمام؟ وهل اقتناء هذه الأجهزة تقدير شخصي للإمام، أم لا بد من وضع ضوابط فنية لذلك، والحد من هذه الظاهرة ضمن الإطار الشرعي؟
كلام أهل العلم
بداية يوضح الشيخ عبد الرحمن بن علي العسكر - إمام وخطيب جامع عبد الله بن عمر بحي الريان بالرياض، أن مسألة رفع الصوت بالعبادة تكلم العلماء عنها في كتبهم وقسموا رفع الصوت في المسجد على وجهين:
الأول: أن يكون بذكر الله وقراءة القرآن والمواعظ وتعليم العلم، يقول أهل العلم: إن مثل ذلك من الأمور المرغب فيها ومثّلوا عليه بجهر الإمام في الصلاة الجهرية.
واستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان إذا خطب علا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش، وكان إذا قرأ في الصلاة بالناس تسمع قراءته من خارج المسجد.
واستدلوا أيضاً بقصة لطيفة لعبد الله بن مسعود، وذلك أنه كان قادماً إلى المسجد يوم الجمعة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعد أن استوى في خطبته يقول: اجلسوا، فجلس عند باب المسجد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تعال يا عبد الله، فالشاهند هنا أن ابن مسعود سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو خارج المسجد، فدل على أن ذلك جائز.
لكن العلماء اشترطوا هنا شرطاً وهو أن لا يكون في ذلك إضرار بغيره من الناس سواء كانوا في المسجد أو خارجه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة على أصحابه وهم يصلون في المسجد ويجهرون بالقراءة فقال (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) وفي رواية (فلا يؤذ بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)، فمتى ما كان رفع الصوت يتسبب في الإضرار بغيره لم يكن المسلم مطالباً برفع صوته فوق ما تقوم به صلاته.
الوجه الثاني من رفع الصوت في المسجد: إذا كان بغير ذكر الله، وهذا اتفق أكثر العلماء على الزجر عنه ومنعه، وليس هذا موضع مسألتنا هنا.
فالمقصود أن أهل العلم نصوا على المنع من رفع الصوت بالعبادة إذا كان في ذلك ضرر بغير المصلي، وهذا القول منهم رحمهم الله في مثل حالهم وهو الصوت المعتاد للإنسان، والوضع اليوم اختلف كثيراً، فمع وجود مكبرات الصوت الآن يتأكد ما ذكره العلماء في مسألة تضرر الغير برفعه من باب أولى.وما يؤكد ذلك أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر معاذاً رضي الله عنه زجراً شديداً لما أطال في الصلاة وأمره بمراعاة المريض والصغير وذا الحاجة، مع أنهم يؤدون العبادة، فكيف إذا كان الإمام يتضرر بصلاته من ليسوا معه في العبادة فذلك مدعاة للزجر من باب أولى.
والمتأمل لواقع المساجد في هذه الأزمنة وتسابق بعض أئمة المساجد في رفع الصوت يرى ما أدت إليه هذه الأفعال من خروج عن النهج النبوي وطريقة السلف الصالح رضي الله عنهم.وترك الناس دون ترتيب إداري يصدر عن ولي الأمر يلزم به الجيمع سيؤدي إلى فوضى، فاللازم على المسؤولين عن المساجد تنظيم هذا العمل، والواجب على أئمة المساجد التقيد بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكل الخير في اتباع هديه، والإنسان إذا طاوع هوى نفسه قادته إلى المهالك.
الحذر من التشويش
أما الشيخ حمود بن محسن الدعجاني - إمام مسجد الصرامي بحي الشهداء بالرياض.. فقال: أمر صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد وأن تنظّف وتطيّب ويعتنى بها فهي بيوت الله فيها يذكر اسمه ويتلى كتابه وتؤدى فرائضه فيجب على المسلمين تعظيمها والحذر مما يشوّش على المصلين ويؤثّر على خشوعهم من قول أو فعل ومن ذلك الحرص على إغلاق أجهزة الهاتف النقال وخفض مكبرات الصوت إذا كان هناك مساجد مجاورة لئلا تشوش على المصلين وتؤثّر على الخشوع الذي هو لب الصلاة، وقد ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: (ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) أو قال (في الصلاة) أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهكذا أجهزة الصدى إذا كان ينتج عنها ترديد الحروف فلا يجوز وضعها لأنه يلزم منها زيادة حروف في التلاوة وهذا محرم، فعلى الأئمة أن يعتنوا بذلك ومثل هذه الأجهزة قد وجدت للحاجة فاستخدامها يكون وفق الحاجة مع مراعاة الضوابط الشرعية ويجوز للجهة المشرفة على المساجد إذا رأت عدم التقيد من قبل الأئمة أن تضع ضوابط لاستخدام مثل هذه الأجهزة في المساجد منعاً للتشويش والأذى، وبعض الأئمة قد يرى أن اقتناء مثل هذه الأجهزة يساعد على التغني بالقرآن ولكن أحياناً قد تكون وسيلة لتمطيط الحروف فيما يشبه الألحان أو ترديد الحروف أو التشويش على مصلين آخرين في مساجد أخرى وكل ذلك محرّم وإنما المراد بالتغني هو تحسين الصوت بالقراءة على وجه مشروع ولا ينتج عنه محذور شرعي.
الوزارة تتابع!!
ويؤكّد د. توفيق بن عبد العزيز السديري - وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد أن الوزارة تتابع بحرص التجاوزات المتعلقة برفع الأصوات من مكبرات الصوت وتداخلها بين المساجد، وذلك بالتعميم على فروع الوزارة لحث الأئمة والمؤذنين على الالتزام بالتعليمات التي تقضي بعدم زيادة عدد المكبرات عن أربعة مكبرات، والاكتفاء باستعمال السماعات الداخلية لصلاة التراويح والقيام في مساجد الفروض، وأما الجوامع فتستخدم السماعات الداخلية والمكبرات الخارجية مع ضبطها بحيث لا تشوّش على المساجد القريبة، بتداخل القراءة واختلاطها ولا يؤدي إلى إزعاج من في المساكن المجاورة للمسجد، إضافة إلى ما يسببه ذلك من ذهاب الخشوع وإضعاف متابعة قراءة الإمام وتدبرها، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة) ويؤكد على المراقبين بالقيام بزيارات ميدانية مكثفة للتأكد من التزام الجميع بالتعليمات، وما تقوم به الفرق الشرعية الميدانية التابعة لبرنامج العناية بالمساجد ومنسوبيها من جولات ميدانية على المساجد لتقييم منسوبيها والعرض عن من يخالف لاتخاذ ما يلزم بحقه نظاماً.