|
يفرح الأبناء، ذكوراً وإناثاً، بقدوم شهر رمضان، ويحتفون به، وهم يرون آباءهم وأمهاتهم يستعدون لهذا الشهر الكريم، وهنا يبادر الأطفال حتى الصغار جداً منهم إلى إثارة التساؤلات لآبائهم عن الصيام: لماذا، وهل يمكن أن نصوم، وكيف نصوم؟ فكيف نفهم أبناءنا الصغار هذه المعاني ببساطة؟ وما الكيفية المناسبة لتدريبهم على مراحل الصيام؟ وهل هناك برنامج محدد نبدأ به لتعويد أبنائنا على الصيام لينشؤوا عليه؟ |
|
يقول الدكتور عبدالكريم بن يوسف الخضر أستاذ الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم: إن الذي يكاد يجمع عليه المعتنون والمهتمون بشأن تربية الأطفال (الأبناء)، هو أن من أهم الأمور المؤثرة فيهم والمساعدة على غرس القيم والأخلاق الفاضلة فيهم هو القدوة أو النموذج، وإذا كان الناس الكبار بحاجة إلى القدوة والنموذج فإن حاجة الصغار وهم الأبناء إليه من باب أولى، خصوصاً في عملية زرع القيم والأخلاق والمبادئ والعادات والأعراف المقبولة أو المرفوضة في المجتمعات؛ ولذلك فإن عملية الاهتمام بالقدوة واجب من أهم الواجبات الدينية، وبعد ذلك الواجبات الاجتماعية. وقد رأينا كيف حصل الفرق في التربية حينما غاب القدوة الأمثل فأصبح نادراً ما تجد الشاب يذكر أنموذجاً له مثالياً في أخلاقه وتعاملاته، وهذا يوجب على الآباء الحرص على مبدأ القدوة والتمثل به حتى ينشأ الأبناء وفق الأخلاق والقيم التي يرغب فيها الآباء، وكما قال الشاعر: |
وينشأ ناشئ الفتيان منا |
على ما كان عوده أبوه |
وعند تمثل الآباء بصورة القدوة الصالحة الناصحة لا يجدون غضاضة في كيفية التعامل مع أبنائهم، صغارهم وكبارهم، كما لا يجدون حرجاً في الإجابة عن أي سؤال يمكن أن يطرحه الأبناء مهما صغرت بهم السن، إجابة صريحة لا تحفظ فيها؛ لأن ظاهر الآباء لا يتعارض مع باطنهم؛ وبالتالي فإن كل ما يمكن أن يسأل الأبناء عنه في العبادات والمعاملات وغيرها يتضح فيه الجواب ويلقيه الابن بطبيعته وبراءة الطفولة فيلاقيه جواب الأب بعبارات يفهمها الصغير بعبارة لا تتجاوز سنه، وبمعلومة لا تتوارى فيها الحقيقة عنه لقلة ثقافته. |
وفي الحقيقة فإنه ينبغي على الأب القدوة أن يبسط إجابة التساؤل الذي يطرحه الابن بمثال واضح من واقع حياة الابن التي يعايشها فيكون جوابها قد لاقى سؤال الابن تماماً، فإذا صام الأب ولاحظ الابن عليه عدم الأكل وقت الصيام فسأل الابن - مثلاً -: لماذا لا تأكل يا أبي؟ أجاب الأب: لأن الله أمرني بهذا، فإذا سأل الابن: ولماذا؟ يقول الأب: من أجل أن أدخل الجنة، ثم يستمر الأب في حديثه والجنة يا بني فيها وفيها.. إلخ.. وهكذا. |
وهنا يجدر بي أن أنبه إلى ملاحظة مهمة، وهي أن بعض الآباء قد لا يهتم بالإجابة عن أسئلة ابنه وابنته، ويعتبر أبناءه صغاراً لا يفهمون شيئاً ولا يفقهون حديثاً، وهذا غير صحيح؛ فلطالما كنا نذكر أسئلة تدور في أذهاننا ونحن صغار لم نطرحها وأحياناً نطرحها ولا نجد من يصغي إليها فضلاً عن أن يجيب عنها، وكنا نغضب أحياناً كثيراً بسبب ذلك، فيا أيها الأب المربي اهتم بالإجابة عن أسئلة ابنك، ولا تجعله يبحث عن الإجابة في مكان آخر قد يكون هو بداية طريق الانحراف، كالإنترنت والقنوات الفضائية والمجلات الهابطة، ونحو ذلك. |
وإذا اقتنع الأبناء بإجابة هذه الأسئلة البسيطة وأدركوا بعضاً من معاني العبادة بعمومها والصيام بخصوصه، أمكن الآباء والأمهات أن يتدرجوا في تدريبهم على الصيام بهذه الطريقة، وذلك بتجزئة الصيام فيمكن أن يسمح للأبناء الصغار بأن يصوموا ثلث مدة الصيام في الأيام الثلاثة الأولى ثم يزاد عليهم الصيام بعد ذلك بزيادة ساعة يومياً؛ حتى يتمكنوا من صيام يوم كامل، ولكن ينبغي للآباء والأمهات عدم إجبار الأبناء على الصيام في حالة عدم قدرتهم عليه أو وجود مشقة عليهم؛ وذلك لأن مثل هذا قد يتسبب في رد فعل عكسية تبغضهم في الصيام، وقد يطول هذا البغض بقية العبادات، ونحن - كما قال عنا النبي صلى الله عليه وسلم - مبشرون بهذا الدين لا منفرون منه. |
|
بين د. الخضر البرامج التي يمكن عملها لتعويد الأبناء على الصيام بأنها برامج كثيرة ويستطيع كل أب وكل أم أن يبتكر برنامجاً مناسباً لأبنائه يستطيع أن يبدأ به لتعويدهم على الصيام، ومن أمثلة هذه البرامج: |
1- أن يبدأ كل يوم بصيام ساعة واحدة من بعد استيقاظ الأبناء فإذا استيقظ الأبناء مثلاً الساعة العاشرة صباحاً يجعلهم ينتظرون صائمين ساعة كاملة ثم يسمح لهم بتناول الطعام والشراب. |
2- أن يتعودوا الصيام في نهار الشتاء في صيام النوافل، وذلك لأن الصيام في نهار الشتاء بسيط؛ لأن النهار قصير والجو بارد؛ فيستطيع أي إنسان مهما بلغ ضعفه أن يصومه. |
3- يصوم عدة أيام من بداية رمضان كالأيام الخمسة الأولى مثلاً، ثم يصوم حتى أذان الظهر ثم يصوم الأيام الخمسة التالية حتى أذان العصر، ثم الأيام الخمسة الثالثة حتى منتصف العصر ثم بقية الأيام يحاول إكمال صيامها من طلوع الفجر حتى غروب الشمس، وإن لم يستطع في أي مرحلة أن يتجاوزها فإنه يبقى فيها حتى يستطيع أن يصومها بيسر وسهولة ودون مشقة ظاهرة غير محتملة، ومثال ذلك لو استطاع الطفل الصيام بيسر وسهولة حتى أذان العصر مثلاً، لكنه شق عليه الاستمرار حتى منتصف العصر فإنه ينبغي البقاء على هذه الحالة حتى يتعود الطفل الصيام، ثم ينتقل تلقائياً إلى الصيام حتى منتصف العصر، وذلك من أجل عدة أمور منها: |
1- أنه لو تم إجبار الطفل على عبادة الصيام - ولو شقت عليه - فإنه قد يؤدي ذلك إلى كراهيته لهذه العبادة. |
2- أنه قد يتضرر الطفل جسدياً ضرراً كبيراً حينما يحتاج جسمه في حالة نموه إلى بعض الفيتامينات اللازمة للجسم فيتسبب ذلك الصيام الشاق عليه في وجود خلل لديه في النمو. |
3- أن إجبار الطفل على الصيام مع وجود المشقة البالغة عليه قد يتسبب في وجود الآثار النفسية أو الجسدية العكسية على ممارسة هذه العبادة ونحو ذلك من الأمور التي ينبغي على المربي مراعاتها عند تكليف النشء بالعبادة. |
4- أن توضع مكافآت للأبناء الصغار الذين يصومون، سواء كان صيامهم جزئياً أي بعض النهار أو كان كلياً؛ أي أتموا الصيام من الفجر حتى غروب الشمس. ويبين لهم أن هذه المكافآت تشجيعية فقط، ولكن الجزاء الأوفى من الله عز وجل. |
ولعل فيما ذكرته من هذه البرامج ما يكفي لأن يكون مثالاً لبيان المقصود، وإلا فإن كل أب ومرب يستطيع أن يوجد من البرامج التي تعود الأطفال الذين يقعون تحت ولايته ما يكون معيناً على تعليمهم لجميع عبادات الإسلام من صلاة وصيام وصدقة؛ وذلك لأن هذا المربي هو أقرب الناس إلى معرفة حاجات أطفاله ورغباتهم وقدراتهم، فيضع لهم برنامجاً يناسبهم. |
تقول الدكتورة عواطف بنت عبدالعزيز الظفر عميدة كلية التربية للبنات بالأحساء: من نعم الله تعالى على عبده المسلم أن يبلغه صيام رمضان وأن يعينه على قيامه وأن يتقبل منه ما خلص من العمل في هذا الشهر الكريم، فحريّ بالمسلم أن يستغل هذا الشهر بما يعود عليه بالأجر العظيم والفوز المبين. ولعل مما يضاعف الحسنات ويرجى منه الغفران من رب الأرض والسماوات قيام الأبوين بما أوجب الله عليهما من رعاية لأبنائهما وتنشئتهما على الدين القيم وحثهم على أبواب الخير وتعويدهم عليه؛ فكما قال الشاعر: |
وينشأ ناشئ الفتيان فينا |
على ما كان عوّده أبوه |
فيجب على الأبوين استغلال هذه الأيام المباركة في تعريف أبنائهما بما للصوم من أجر عظيم وفوائد لا تكون في غيره ويكون ذلك باتباع الآتي: |
1- تدريب الصغار منهم على كيفية الصيام، ولعل ذلك يكون ابتداءً بتعويدهم تناول وجبة السحور معهم ثم تأخير وجبة الإفطار للأولاد ما أمكن ثم تناول الوجبة الثالثة مع إفطار الأبوين وهكذا ثم الصوم يوماً كاملاً في الأسبوع وأسبوعاً في الشهر العظيم حتى إذا ما وصل سن البلوغ وجب عليه الصوم كان قد تدرب تدريباً نافعاً بحيث لا يشق عليه الصوم طوال الشهر ولا بأس من بذل الهدايا وتحقيق الرغبات تحفيزاً لهم على الصوم. |
وقد كان الصحابة يدربون أولادهم على الصوم ليعتادوه من الصغر ما داموا مستطيعين له وقادرين عليه؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيحة عاشوراء إلى قرى الأمصار من كان أصبح صائماً فليتم صومه ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه؛ فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن - أي الصوف - فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار - رواه البخاري ومسلم. |
2- يجب أن يغرسوا في نفوسهم حقيقة أن الصوم ليس فقط ترك الطعام والشراب وإنما هو طريق لمعرفة أوجه الخير والسعي إليها وتحصيل الأجر والثواب. |
3- تذكيرهم بنعم الله عليهم وتوضيح أن هناك من الفقراء والمعدمين من لا يجد لقمة يطفئ بها نار جوعه، ومن ثم يجب العطف على الفقراء والمساكين، وأن جزاء ذلك رضاء الله تعالى على عبده في الدنيا والآخرة. |
4- اغتنام فرصة دخول شهر رمضان للمّ الشمل ونبذ الأحقاد والعمل على صلة الرحم؛ فهو فرصة للمصالحة والإشارة للأبناء وتذكيرهم بما لصلة الرحم من رضا الله تعالى على الواصلين لرحمهم وأنها سبب لسعة الرزق وطول الأجل، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. |
5- تحفيزهم على مصاحبة الآباء إلى المساجد لتأدية الصلاة في جماعة، وخصوصاً صلاة الفجر حتى يشبوا وقد ترسخ لديهم معنى الصلاة وفضلها وأيضاً الأجر الوفير من الذهاب إلى المسجد. |
6- إعطاؤهم الهدايا والحلوى لكي يسعدوا بها قلوب اليتامى وتوضيح معنى اليتم وكيف أوصى - صلى الله عليه وسلم - باليتيم ووعد كافله بمرافقته في الجنة. |
7- القيام بزيارة المرضى ومواساتهم ونبين لهم كيف أن الله تعالى حثنا على زيارتهم. |
8- نوضح لهم فضل التعامل الحسن مع الجيران وكيف أن رسول الله أمرنا بالرفق بهم وزيارتهم وجعل حسن معاملتهم من كمال الإيمان. |
9- تحذيرهم من ضياع الوقت أمام شاشات التلفاز أو الكمبيوتر أو ما شاكل ذلك وبيان مساوئ مشاهدة كل ما يغضب الله تعالى. |
10- وأخيراً تحذيرهم من عدم استغلال هذا الشهر فيما يغضب الله وبيان أن الخاسر الأكبر هو من أدرك هذا الشهر الكريم ثم خرج ولم يغفر له. |
|