تقول: لأننا من الذين انجرفوا خلف كبرياء الذات وشموخ العاطفة في الدراما التركية فقد كانت (سنوات الضياع) جوازاً يحملنا إلى إسطنبول ثم أنقرة حتى ينتهي بنا المطاف في قرية (أزنجول) الساحلية التي تصنع لك رئة ثالثة تجعلك تتعامل مع الأكسجين دون أن يكون لثاني أكسيد الكربون دور فاعل.. ثم حملتني أفكاري المجنونة إلى المخاطرة للتجربة ومعايشة الآخرين لأرحل من مدينة الجمال والخضرة خروجاً من باب الهواء الذي يفصل سوريا عن تركيا.. ثم جواً إلى تبوك.. تقول أريد أن أجرب العبّارة التي تحمل المسافرين من ميناء ضباء إلى مدينة الغردقة في مصر.. ثم ماذا؟!!!.. تقول نمت ثلاثة أيام في مصر من شدة التعب والإجهاد والقهر.. ولأنني لم أتعود على هذا النوع من الإجهاد قضيت ثلاثة أيام مريضة.. أتحسس فيها جسدي هل هو على الفراش أم لا يزال لاجئاً في مينائنا بضباء؟.. وفي ضباء الذي ليس لديه سكر.. يُصاب به.. وهو مرمي على أرض الميناء ينتظر العبَّارة التي تأخذ زمناً في الوصول وزمناً في التفريغ ثم التحميل ثم تضييع الوقت واستفزاز المشاعر.. أما المحظوظ الذي يعرف العاملين بالميناء فهو لن يقف في سلم الطابور الذي يقف فيه إخواننا المصريون والأمتعة التي يحملونها فوق ظهورهم بدءاً بقنينة الماء حتى أكياس الملابس والمأكولات.. ولأنهم يملكون الخبرة في آلية السفر فهم يحملون في أيديهم زاداً لثلاثة أيام!!! أقول: من يعرف الإخوة العاملين سوف يتسلق الحواجز الحديدية ليكون من الأوائل في الأدوار.. ناهيك عن التلاعب بوقت البشر وراحتهم.. عادي أن تتأخر العبَّارة (12) ساعة.. وعادي أن لا يقدموا اعتذاراً.. ولم تُهيأ لهم أماكن للراحة.. أو النوم.. أو حتى مجرد الخصوصية ولو بمقابل، وفي العبَّارة.. إن رغبت أن تواصل جريمة التجربة وتبقى مع العامة فلك أن تتحمَّل إحساسك بأنك داخل ملاهي أطفال.. فلا أحد يقول لطفله اجلس.. ناهيك عن العشوائية في اختيار المكان.. فليس هناك مقاعد مرقمة ولا تنظيم داخلي بالإضافة إلى الخدمات التي لا توازي نجمة واحدة.. ولكي تبقي ما في معدتك ساكناً استخدم دورات المياه مرة واحدة في البداية.. ثم عليك أن تتحمل لأن المعدة بيت الداء!!!
وإن كانت التجربة جريمة في حق نفسك فما عليك.. إلا أن تدفع فرق خمسين ريالاً لتصعد للدور الثاني قسم الدرجة الممتازة.. تبدو أكثر سكينة.. ويمكنك أن تغفو على مقاعدها حتى يقذف بك الموج إلى مقعدٍ آخر..!!
طوال وقت الرحلة التي تزيد على (10) ساعات سفراً وانتظاراً ما رأيت عامل نظافة واحداً لدرجة أن العبَّارة لو احترقت لبقيت مشتعلة بسبب الزبائل التي تملأ الأرض..!!! ومجبر أنت أيضاً أن تتحمَّل إزعاج التلفاز الذي يعرض وقت الفجر المزخرف بالسكينة مسرحية مصرية كلها (زعيق) و(شهيق)!!!.. وموظف البوفيه الذي نبتاع منه قهوة أو علبة عصير بضعف الضعف من ثمنها يتصرف مع الركاب وكأنه يمنحهم بضاعته مجاناً.. لدرجة أنه ضرب طفلاً لأنه أكثر عليه السؤال.. (العبَّارة سعودية) وجميع العاملين فيها إخوة عرب من غير السعوديين.. لم أر سعودياً واحداً.. ويبدو أن السعودة لم تصل الحدود الساحلية.. أو لعلها تعاني من فوبيا البحر!!!
ثم تصل إلى ميناء (الغردقة) لتتلقفك أيدي (الحمّالة) قسراً ليحمل شنطتك رغم أنني أحب أن أسحبها خلفي فأنا إنسانة عملية لا أتصنع البرستيج.. لكن يبدو أن القضية أكبر من ذلك بكثير.. تُفرغ الشنط من بطن العبَّارة بطريقة حربية.. وتُرمى على الساحل بشكل مثير للجدل.. يُكسر ما يُكسر.. ويتلف ما يتلف ولا أحد مسؤولاً تجادله.. ومن أجل أن تجد شنطتك يجب أن تتحول إلى ضفدع لتقفز فوق الأمتعة والشنط وتمر على شنطتك عشرات المرات لا تحملها لأنك تذكر أن شنطتك بعجل وهذه تشبهها ولكن بدون عجل.. وفي النهاية تُدرك أنها كُسرت العجلات أثناء قذفها من العبَّارة إلى الأرض.. وذلك الحمَّال الذي رفضت الاستعانة به تضطر أن تستعين معه بآخرين وبضعف الثمن لكي تصل إلى شنطتك.. فهي لا تحمل إستكراً ولم تهبط على طبيعتها التي تعرفها عليها!!! ومن الميناء إلى منطقة السقالة في الغردقة وهي لا تبعد أمتاراً تمتطي سيارة أجرة يفاوضك على (عشرين جنيهاً) ثم يطلب منك أثناء المغادرة السبعين جنيهاً!!! يستغلون السائح حتى العظم.. يتساءلون لماذا يهرب جرياً إلى مناطق أخرى؟!! سيطول الحديث في هذا البلد عن أمور كثيرة ومفارقات فلعلني أعود إلى ضباء.. في قلب الوطن.. يحتاج الميناء إلى نظرة المسؤولين فهو ليس بخدمات متهالكة، بل لا تُوجد به خدمات تُذكر.. أقلها.. طالما أن الانتظار شر لا بد منه فلعل هناك غرفاً أو فنادق تُقام بالقرب منه تضمن فيها راحة المسافرين وبخاصة المرضى الذين يقلقهم الانتظار ويقتلهم السهر!!!
- عنيزة