طرحت في مقال الأسبوع ما قبل الماضي مجموعة من شجن الأسئلة، ووضعتها تحت تصرف القراء لإبداء الرأي بحرية تامة في الاجابة عليها. وقد وعدت - وأنا عند وعدي- بأنني سأقوم بنشر إجابات القراء دون تدخل يذكر مني إلا في حالة أن يكون هناك ضرورة لمبادلة الرأي أو للتحاور. وقد تسلمت على مدار أسبوع وأكثر مجموعة كبيرة من الردود الجميلة من عدد كبير ممن تابعوا تلك المقالة وتطوعوا بكرم للإجابة على أسئلتها.
وقد تزين بريدي الإلكتروني عدا الردود المنشورة ورقياً والكترونيا بكثير من الآراء الثرة والجريئة والتي كانت مصدراً للمتعة والفائدة، ولإعادة التأمل في شؤوننا الاجتماعية وقضايانا الوطنية للتفكير بها بصوت مشترك وصوت عالٍ.
ومن باب التذكير بسياق الموضوع وليسهل على جميع القراء متابعة الإجابات التي وصلتني سأقوم بنشر مختصر لمجموع الأسئلة التي جرى طرحها يليها - وهذا بيت القصيد - عدد مما وصلني من إجابات أخرى، أستأذن كتابها في نشرها بأسمائهم الصريحة، إلا من رأى غير ذلك. وربما بطبيعة الحال لن تتسع مساحة المقال المحددة بما لا يزيد عن ألف كلمة لكل الإجابات، وهذا ما سينشر لاحقا.
1- ما مدى حقيقة أن المواطن السعودي يعيش وقد التف حبل التقسيط حول رقبته بما يكاد يخنق أنفاسه؟
2- هل حقاً أنه من الأسهل على المواطن الالتجاء للتمسكن واستجداء الوساطة لحل أبسط الأمور اليومية خاصة مايتعلق بالجهاز الحكومي على تقديم نفسه كمواطن وصاحب حق؟
3- هل من حل لتدافع الشابات والشباب في قاعات القبول بالجامعات سوى تدخل الشرطة لفض الاشتباك بين أعضاء تلك العمادات وبين الطلاب والطالبات ممن أقفل باب القبول دونهم؟
4- هل يسمح الواقع بأن يجري توزيع أرض لكل مواطن؟ وهل لو تحقق مثل هذا الحلم البسيط سيحد ذلك من معاريض استعطاء الأراضي واستقطاعها من قبل (أساطين التسوّل) أو يخفّف من استعار أسعار سوق العقار؟
5- من هم كبار المستثمرين؟ وهل هم حقاً رحماء بمصلحة الوطن، ويمتلكون الرغبة في مشاركة الدولة في التنمية والبناء وليس فقط في اقتطاع حصة الأسد والضبع والثعلب من ارتفاع الدخل والموقع الاقتصادي للبلاد؟.
6- هل هناك حاجة حقيقية لوضع حد أدنى للأجور بما لا يقل عن 3000 ريال شهرياً؟
7- هل نحن بحاجة كمواطنين ومواطنات إلى ثقافة في الحقوق والواجبات معاً؟ وهل يمكن خلق مثل هذه الثقافة دون وجود مدوّنة وطنية للحقوق والواجبات؟ وهل يحتاج المجتمع السعودي اليوم لوجود مثل هذه المنظومة الحقوقية لتقنين علاقة المجتمع والدولة في مستواها الرأسي والأفقي؟
8- هل نحن بحاجة لنظام مقنن وإدارة قانونية وإلى مرجعية قضائية في كل مرفق من مرافق الفضاء العام والأسري؟.
9- هل لو توقف مجلس الشورى عن العمل - كما يفعل- بسفر عدد معتبر من أعضائه كل صيف في إجازتهم السنوية؟
10- هل يتأثر المواطن بهذا التوقف ويشعر أن أحد أهم أعمدة تمثيله غاب؟
11- هل على كُتَّاب الرأي أن يتوقفوا عن الكتابة إذا لم يكتبوا بحبرٍ نزيه ولم يعبّروا بضمير حي عن القضايا التي تشغل المواطن؟
12- هل يمكن أن يصدق المثقف في أقواله وأفعاله إذا تعذّر منديل الأمان؟
13- هل بلغ مجتمعنا مرحلة من الرشد الاجتماعي لنقبل النقد العلني الموضوعي في هواء طلق لئلا نكون فريسة للنميمة السياسية؟
الرد الأول على الأسئلة أعلاه وصلني من الأخ الأستاذ عبدالرحمن الشهري، وهو كما يلاحظ ردٌّ يتميز بالشفافية وبالحرص على الصدق مع المسؤول، وفيه يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أحببت مشاركتك بالرأي، كما طلبت ذلك من القراء في مقالك يوم الأربعاء 5-8-1429هـ.
فأقول:
إن ما أوردته في سؤالك هذا لم يكن للمبالغة فيه أدنى نصيب، بل هو الواقع المر، وأكاد أجزم أنه لا يوجد مواطن سعودي إلا نجده مقترضا من أحد البنوك، ولا شك أن القرض يعتبر مديونية على الفرد، والمشكلة أن الشخص عندما يقترض قرضاً فإنه ينفقه في شيء واحد فقط من متطلبات الحياة (بيت أو سيارة أو أرض. .....إلخ) حيث إن قيمة القرض والغلاء الذي نرزح تحت وطأته لا يمكّننا من الاستفادة من ذلك المال إلا لشيء واحد فقط، مما يضطر المواطن المسكين إلى طلب قرض آخر. وهكذا لا يزال المواطن مقيداً بسلاسل الدين إلى أن يموت. والشيء الآخر الذي ينهكنا نحن كسعوديين ويؤدي بنا إلى الدين وتحمل أعباء فوق طاقتنا هو العرف والعادات الاجتماعية التي تحتم علينا إكرام الضيف بما لا نستطيع، مما يضطرنا إلى طلب السلف من أحد الناس حتى نؤمّن قيمة عشاء لهذا الضيف الذي يكلف في أقل التقديرات1000 ريال تقريباً، وليتنا نتعلم من الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف كان يكرم ضيفه بما هو موجود في البيت من طعام، لكن عاداتنا القبلية وضيوفنا يرفضون ذلك.
إجابة السؤال الثاني: كلامك في محله؛ حيث إن الواسطة والمحسوبية من أكثر الأمور إزعاجاً لنا، وأصبحت المعاملات الصغيرة البسيطة لا نستطيع إنجازها إلا بالمعرفة أو الواسطة، وأنا شخصيا أعرف أحد أصدقائي لم يستطع فتح حساب في أحد البنوك إلا بعد أن استخدم الواسطة في ذلك، فهل فتح الحساب في البنك يتطلب من الشخص أن يكون ذا معرفة بأحد الموظفين في البنك حتى يتمكن من فتح الحساب، أم أن ذلك حق مشروع لأي مواطن؟!
إجابة السؤال الثالث: صحيح أن منظر الشباب والشابات عند فتح القبول في إحدى الجامعات منظر مؤسف للغاية، عبثية وتدافع غير منظم، وبرأيي أن هذه المشكلة لن نستطيع حلها إلا من خلال الأفراد أنفسهم؛ إذ لابد أن يشعر كل فرد بأهمية النظام والانتظام حتى تسير الأمور بسلام، وإلا سنكون بحاجة لوجود الشرطة في مثل هذه الحالات. وليس هذا التدافع غير المنظم موجوداً في الجامعات فقط، بل إنه موجود في كل الدوائر الحكومية، فمن أجل تجديد بطاقة أحوال يجب عليك أن تنتظر من ساعة إلى ساعتين، في حين أن عملية تجديد البطاقة لا تستغرق من الموظف عشر دقائق.
إجابة السؤال الرابع: أن تكون لكل مواطن أرض في بلده هذا من أبسط حقوقه، ولا شك أن هذا من شأنه أن يقلل من حدة ارتفاع العقار وأسعار الأراضي.
إجابة السؤال الخامس: للأسف الشديد أن كبار المستثمرين هم من طحنوا المواطن طحناً بين أضراسهم، بداية بنهبهم المتوالي له في سوق الأسهم إلى ما ستأتي به الأيام، وهناك بلا شك رجال أعمال نشهد لهم بالخير لكنهم قلة.
إجابة السؤال السادس: بالتأكيد أن هناك حاجة ماسة وحقيقية بوضع حد أدنى للأجر الشهري بما لا يقل عن 3000 ريال، خصوصاً مع نغمة الغلاء المرتفعة التي تجعل من المواطن صاحب دخل 5000 ريال شهرياً يعيش حالة من الفقر المؤلم.
إجابة السؤال السابع: نعم، نحن بحاجة إلى ثقافة في الحقوق والواجبات، لكن ينبغي أن تكون تلك الثقافة شاملة للمواطن والمسئول، ويمكن خلق هذه الثقافة بدون وجود مدونة وطنية، وإن كان يستحسن وجود مثل هذه المدونة - لكن المهم خلق هذه الثقافة بأي وسيلة كانت على أن يقوم المواطن بأداء ما عليه وفي المقابل يقوم المسئول بما عليه حتى يتساوى طرفا المعادلة فنصل إلى نتيجة.
إجابة السؤال الثامن: نحتاج إلى مرجعية قضائية في كل مرفق من مرافق القضاء العام والخاص، مطلب مهم من شأنه أن يزيد المواطن في كثير من قضاياه وييسر المعاملات القضائية بانسياب وسلاسة.
إجابة السؤال التاسع: أعتقد أن المواطن أصابه شيء من اليأس والقنوط وأصبح لا يعوّل كثيراً على مجلس الشورى، فلا أتذكر من قرارته التي نفرح بها شيئاً اللهم القليل النادر..
إجابة السؤال العاشر: بالتأكيد أن النزاهة والضمير الحي أمران لابد من توافرهما في أي كاتب، وإلا لما جنينا ثمرة من كتاباتنا.
إجابة السؤال الحادي عشر: في الحقيقة إن منديل الأمان إذا تعذّر فإنه من الصعب على المرء أن يكون صادقاً في بعض الأحيان، منديل الأمان لا بد من توفره حتى يعلو سقف الحرية.
إجابة السؤال الثاني عشر: أتمنى أن يكون المجتمع قد وصل إلى مرحلة من الرشد الاجتماعي، لكنني لا أرى ذلك ظاهراً في حواراتنا الفكرية والثقافية، لذلك أجد أننا بحاجة إلى تعميق ثقافة الحوار حتى نتقبل النقد بشكل عام حتى النقد غير الموضوعي.
أتمنى ألا أكون أطلت في هذه الإجابات، لكن الأسئلة تتطلب مني الإسهاب في الإجابة.
***
أقدم أيضا أول رد جاءني من سيدة. وهو من العزيزة نوال الحيدري، وهو رد يتميز بالصدق والعفوية والعمق.
أستاذتنا الفاضلة - دكتورة فوزية أبو خالد تحية طيبة
أثار تفكيرى موضوع دعوة للمواطن السعودى، وأريد أن أشارك في بعض النقاط، ولكن..
أولا: أود أن أتساءل معك: ألا تعتقدين أن إجابة لكل ما طرح أننا مازلنا مجتمع عالم ثالث، أو كما قال د. محمد الرميحي دول العالم الرابع، لدينا أشياء من مظاهر الحضارة المادية والباقي سمات المجتمع المتخلف البدواقراطية والمحسوبية والأصل والمذهب والجنس وغيرها هي التي تحكم، وليس ما أنت وما تملك من قدرات علم وموهبة.
ثانيا أريد أن أجيب على بعض الأسئلة التي طرحتها:
ا- ليس مبالغة بل هي ظاهرة(التفاف حبل التقسيط على أعناق عدد غير قليل منا) فالكل منا يتذمر منها ويبحث عن مخرج ونناقش في اجتماعتنا حلولا لهذا الكابوس .. ما هو السبب في ذلك؟
* نحن مجتمع أصبحنا نقيّم الناس بما يملكون وليس بما يحملون من قيم ومبادئ، ووصل إلى تقييم أنفسنا كأشياء وليس كأشخاص.
* أصبح التفكير بعقل القطيع هو السائد؛ أي ماهو منتشر هو الصحيح؛ وهو ما يطبق وليس قناعات الأشخاص إلا ما ندر.
* لا يوجد توعية مجتمعية بأهمية أن يعيش كل شخص حسب مستواه المادى وليس العيش على حساب بطاقات الإتمان والقروض المختلفة، وأن السعادة ليست باالمظاهر المادية فقط، بل هي جانب وينقصها جوانب كثيرة.
2- نحن مجتمع لا تحكمه القوانين، ولا يوجد طريق مناسب لحل أبسط الأمور اليومية التي تقع في يد الجهاز الحكومي إلا بمن تعرف، والحل وضع قوانين تحكم ما يحتاجه المواطن ونشرها، وعندما أريد أن انهي معاملة أعرف رسومها وكم المدة الزمنية وغيرها لتسهيل إنهاء المهمة، وكذلك تطبيقها على كل الأشخاص بكل مستوياتهم.
3- هل من حل لتدافع الشباب في قاعات القبول؟ نعم، فتح القبول لمن يرغب بعد عمل اختبارات قياس ومن لايجتاز فتح دبلومات في تخصصات مختلفة.
4- لا أعتقد أن توزيع الأراضي هو الحل في منع الاستجداء أو في ارتفاع أسعار العقار؛ الحل توفير مساكن صحية ذات مستوى مناسب بأسعار مناسبة لكل مواطن حسب قدرته.
5- أرى أن كبار المستثمرين الذين استفادوا من خير هذه الأرض بكل أنواع الخيرات يفرض عليهم نسبة سنوية تدفع للمواطن عن طريق إنشاء مراكز للتدريب والعمل أو العلاج أو الترفيه، ويكون عليهم رقابة حكومية ولايستثنى منها أحد.
6-نعم، نحن بحاجة لوضع حد أدنى للأجور بما لا يقل عن3000 وخاصة كما نرى في المدارس الأهلية تعمل المعلمة يوما دراسيا كاملا براتب 1200 -1500.
7-نعم، نحتاج إلى ثقافة الحقوق والواجبات، ولكن: هل تكفي المعرفة؟ نحن أو الأغلبية تعرف، ولكن لا تعيشها.
8- نعم، نحتاج إلى مرجعية قانونية أوقضائية في كل مرفق على أن تفعل ولا تكون شكلية فقط.
9- لن يلحظ غياب مجلس الشورى أحد.
10- نعم، أتمنى أن يتوقف عن الكتابة من لم يكتب بنزاهة، ولكن: هل سنجد من يكتب إلا عددا قليلا جداً.
11- الأمان مهم جدا للكاتب وللمواطن في قول الحق، وأعتقد النزيه سيتوقف عن التعبير عن وجهة نظره إذا شعر بعدم الأمان.
12- لا، لم يصل لمرحلة الرشد الاجتماعي، ولكن نأمل أنه في الطريق، وما زال في الطفولة المتأخرة.
وأخيراً.. أدعو معك الله أن يحقّق بالحوار والالتحام في وضح النهار ما لا يتحقق بالمسكنة أو
الاستقواء أو السكوت والانسحاب..مع كل التقدير والاحترام لك.
نوال الحيدرى
***
هذا رذاذ من بحر ما وصلني من استجابة المواطنين للمشاركة في شئوننا وشجوننا الاجتماعية والوطنية على أن نواصل ردود القراء في الآتي من الأيام بإذن الله.
Fowziyah@maktoob.com