نعيش صباح مساء في مواجهة ساخنة مع الكلمات حتى كلمة صباح الخير التي نلقي بها دون انتباه ظاهر لا تخلو من معركة صغيرة تتجلى في الطريقة التي نلقيها بها والشخص الذي نوجهها إليه وحتى في المقطع الذي نتكئ عليه أثناء إلقائها. فالكلمة التي تخرج من أفواهنا قوة مشحونة بالمعاني، قد تكون مشرقة وقد تكون مظللة ومخادعة. نتذكر كلمة (جوهرة مكنونة) ستجد في شكلها الخارجي جمالاً وشعراً ولكن بتأمل المدلول (المكنون في داخلها) ستلاحظ أنها كانت سلاحاً لتكميم المرأة. من حسن حظنا أنها خرجت من التداول بعد أن تبين للناس فسادها. الكلمات ليس بريئة. تلعب التورية دوراً خطيراً في تحريفها عن مدلولها.
بعد الحادي عشر من سبتمبر انتبهنا إلى كلمة (صحوة) الكلمة جميلة وبراقة. عندما تركت تدحرجت وكبرت لم نكتشف أنها غلاف جميل لقنبلة عظيمة إلا عندما انفجرت وشوهت وجه الإسلام. وإذا كانت كلمة صحوة قد اختفت فيجب أن تلحقها الكلمات الأخرى التي تولدت عنها وتتعاظم بها. من أخطر الكلمات المتولدة عن الصحوة وما زالت بعيدة عن التناول كلمة (فطرة). تكاد تكون هذه الكلمة مرادفاً لكلمة امرأة أو أنثى. تدور هذه الكلمة بقوة في كل البيانات المتصدية لحقوق المرأة حتى توهم بعض الناس أن للمرأة فطرة غير فطرة الرجل، وجبلها غير جبلته، وحياة غير حياته، وتطلعات غير تطلعاته، وطاقة غير طاقته، وإمكانيات غير إمكانياته، وعقل غير عقله.
نسمع من يقول: (على المرأة أن تعمل بما يوافق فطرتها الطبيعية) وآخر يقول: (والتي تتناسب مع فطرتها السوية، وتتوافق مع خلقتها البدنية، وتتماشى مع تكوينها النفسي) حتى صار بعضهم يطالبها أن تبقى في البيت شفقة بها وحنواً عليها، وأن تترك الأعمال الشاقة والقاسية والصعبة للرجل. هذا التمايز الوظيفي بين الرجل والمرأة لا يخلّ بحق المرأة في كسب عيشها فحسب، ولكنه يخل بأهم صفة يتصف بها الإنسان بوصفه إنساناً. هذا التفكير يصنف الإنسان ضمن منظومة الحيوان التي برأ الله الإنسان منها. الحيوان هو الكائن الذي جبله الله تعالى على وظائف محددة بقدرات محددة يموت إذا خرج من طبيعته. الإنسان كائن متطور، يعيش على عقله وليس على جسده كالحيوان. ليس للإنسان فطرة محددة، فالبيت الذي يدعي البعض أنه مكان المرأة الفطري هو في الواقع جزء من تطور الإنسان، فالإنسان لم يبدأ وجوده بالبيت. عاش فترة طويلة في الفلاة وبين الشقوق والكهوف وليس البيت إلا حلقة في سلسلة تطور الإنسان. قد لا يوجد البيت في المستقبل فأين تجلس المرأة؟ تواجهنا هذه الكلمة (الفطرة) بتبسيط غير إنساني لكلمة (عمل). يرفق كلمة عمل بالمشقة والقسوة وكأن على الإنسان أن يخرج من بيته في الصباح الباكر ليواجه الضواري والوحوش ولصوص الأحراش ليجلب قوت يومه كما يفعل الحيوان في الغابات أو الإنسان في العصور القديمة. وكأنما قيادة الطائرة تفرض على الرجل أن يحمل الطائرة على أكتافه ويركض بها عبر المحيطات الأمر الذي يتعارض مع فطرة المرأة وجبلتها. الإنسان عقل خلاق وليس جسد ببرنامج محدد الوظائف مسبقاً. ليس للإنسان جبلة أو فطرة. الإنسان بطبيعته متجاوز. كائن متكيف يخترق الطبيعة ويهزمها على الدوام، ومن يقول بأن للمرأة فطرة ثابتة هو في الواقع يخرج المرأة من إنسانيتها ويصنفها مع الحيوان.
yara.bakeet@gmail.com