يوم الخميس الماضي تجمعت ونفر من أسرتي أمام الرائي لعلنا نشاهد أحد أبناء وطننا يحقق ميدالية أولمبية من أي درجة وكان الأمل الأخير في الله ثم في الفارس رمزي الدهامي، وقدر للحصان أو الفارس أن يخطئ خطأين يحسما منه ثماني نقاط مما أبعد الدهامي للصفوف الخلفية في الترتيب العام وهناك مقولة شهيرة بأن الرابع مثل الأخير لأن المهم في الأولمبياد للرياضي تحقيق ميدالية ذهبية لبلده ثم تحقيق رقم جديد له يفتخر به وأبنائه أو بناته من بعده، أو تحقيق ميدالية فضية أو حتى برونزية والتي يسميها اللغويون في المغرب الشقيق بالميدالية النحاسية وهو الاسم الصحيح لها..
المهم أصبت ومن معي بإحباط شديد فقد كنا نأمل في تحقيق أي ميدالية لأن بلدنا يستحق أن ترفع رايته الخضراء في كل محفل، ولكن كيف لنا أن نحقق تلك الأماني وتلك الميداليات وجل اتحاداتنا الرياضية نائمة في العسل، فعلى غرار فيلم لعادل إمام كنت قد شاهدته من زمن بعيد يحمل مسمى (نايمين في العسل).. فأنا هنا أجير ذلك الوصف لاتحاداتنا الرياضية التي هي فعلا نائمة ملء جفنيها وكل همها ألا يزعج نومتها السرمدية أحد.
فلا اهتمام بإعداد الفرق ولا طموح لنيل الميداليات أو البطولات ولا حتى أدنى الدرجات من التمثيل المشرف فمثلا اتحاد رئيسه متشبث بكرسي رئاسته منذ ثمانية مواسم مضت أو أكثر ولم يفعل فيها شيئا يذكر ثم يجدد له بفترة ثالثة ليبقى (نائما في العسل) لأربع سنوات قادمة يكون فيها ذلك الاتحاد قد دخل في غيبوبة تامة وتظل بطولاته الداخلية مقسومة على فريقين فقط والسيد رئيس الاتحاد ومجلسه الموقر في سبات مقيم لا يحصل عليه إلا كل ذي حظ عظيم، فلا شيء هنا يقلق مقام الاتحاد ومجلسه الموقر. فأين هي تلك الخطوات القوية والمتعبة والمجهدة التي تتفاعل لانتشال وضع ذلك الاتحاد من مستوى اللعبة البائس الذي تتردى إليه يوما بعد الآخر، وما هي الخطوات التي قام بها مثل الاتصال بالمدارس والجامعات لحثهم بالاهتمام باللعبة، فقد ولى زمن الخطوات المكتبية والتوجيهات الشفوية، فالأمر يحتاج لجهود مضنية مفقودة في ذلك الاتحاد وما يقال عن ذلك الاتحاد يقال عن جميع الألعاب إلا من رحم ربي.
ومن هؤلاء الذين (رحمهم ربي) اتحاد ألعاب القوى لأن الحملة التي تشن عليه انتقائية وليس الهدف منها الإصلاح وإنما الميول هي من تملي عليهم ذلك الغثاء، فاتحاد ألعاب القوى ليس لعبة أو لعبتين، اتحاد القوى هو عبارة عن شبكة كبيرة من الألعاب وكل لعبة فيها تنافس الأخرى، تصوروا لعبة واحدة مثل الجري تحتوى على عشر مسابقات مختلفة وكل مسابقة تحتاج لطاقم فني وإداري وطبي كبير عدا عن سباق الماراثون الذي طوله في حدود 42 كلم، فألعاب القوى عبارة عن غابة من الألعاب شديدة الحساسية وإدارتها تحتاج لجهاز إداري بحجم مجموع باقية الاتحادات الأخرى، وتحتاج لجهد كبير ومال وفير ورجال قد نذروا أنفسهم لعمل مضني، فاللاعب الواحد في ألعاب القوى يحتاج لمصاريف ومتابعة فنية وإدارية وطبية غاية في التعقيد، فما بالكم بعشرات اللاعبين في ألعاب عديدة، وقد قيل في ألعاب القوى أنها أم الألعاب لأنها تعتبر جامعة لأسمى الرياضات وأرفعها شرفا ومنافسة ونبلا، والإخوة في اتحاد القوى والشهادة لله هم من أجدر وأكفأ الإداريين والرياضيين المتواجدين في الساحة الرياضية العربية ولا ننسى أنهم خلقوا من (الفسيخ شربات) وقد حقق السعودي هادي صوعان فضية سيدني 2000 في سباق 400 متر حواجز ويكون بذلك ثاني أفضل رقم بالعالم لهذا السباق في عام 2000، لذا علينا بمراعاة واقع اتحاد ألعاب القوى، وذلك بفهم صعوبة عمله الشائك قبل إطلاق الإحكام جزافاً على اتحاد ناجح ويحتاج لدعم لوجستي من قمة الهرم بما يتوازى وأهميته المنقطعة النظير، لذا أنا ضد الانتقائية والتقصد لاتحاد بينما بقية الاتحادات نائمة في العسل وليست أفضل بأي حال من اتحاد ألعاب القوى.. كما أن الأولمبياد ليس ألعاب قوى فقط، فكل الألعاب موجودة وبنفس الأهمية.
هذا وعلى واللجنة الأولمبية السعودية أن تقوم بدورها الموكل إليها لأنه من المفترض أن تقوم بمحاسبة كل الاتحادات بدقة في كل موسم وفي نهاية كل أربعة أعوام كمحصلة لفترة رئاسية والنظر في إنجازات هذه الفترة كلها ومقارنة وضع اللعبة قبل بداية الفترة وبعد نهايتها ليتبين لها مدى الفاعلية والإنجاز الذي تحقق خلال هذه الفترة أو تلك، ثم الحكم على رئاسة الاتحاد حسب إنجازاته فمن كان قادراً على العصف الذهني والمهني لاتحاده يبقى وإلا يترجل ليترك الفرصة للأكفأ والأقدر على القيام بالمهمة لعل وعسى أن يكون لنا بصمة هنا أو هناك.
هذا ويبقى هناك خيار واحد ربما يكون حافزاً ودافعاً لتحقيق الميداليات الأولمبية ورفع علم البلاد عالياً في المحفل الدولي الكبير، ذلك الخيار أو الحل هو التجنيس، فبلدان كثيرة تجنس الموهوبين من الأبطال الأجانب الذين قد يحققون لها ميداليات أولمبية، وهذا العامل يعتبر حقاً سيادياً لكل دولة تجنس أو لا تجنس فهذه أمور لا تقبل النقاش أو الانتقاد للدول التي تقوم بالتجنيس فهي تمارس حقها السيادي الصرف، وفي رأيي المتواضع مع الخصوصية التامة للمملكة أرى أن نستفيد من هذا العامل ونقوم بتجنيس الموهوبين من الدول العربية فقط لا غير مثل المغرب والجزائر والسودان ففيها مواهب أولمبية لم تمثل بلدانها إلى تاريخه، وليتنا نقوم بتجنيس تلك المواهب للاستفادة منها ولتكون سبباً وحافزاً لرفع علم المملكة بدماء عربية ومسلمة والله من وراء القصد.