صوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وهو موسم زماني للتعبد ومحاسبة النفس وحرمانها من الكثير من ملاذ الحياة وشهواتها.. ولأن هذا الموسم الزماني لا يحدث إلاّ مرة واحدة في السنة، فقد كان من سنة المصطفى وأصحابه الاستعداد له بما يناسبه من حمل النفس على الاستزادة من الأعمال الصالحة، واستثمار الأوقات ليلاً ونهاراً في العبادات والنوافل مثل قيام الليل وقراءة القرآن وبذل الصدقات وغير ذلك، كان هذا هو هدي المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وديدن السلف والصالحين على مدى القرون الإسلامية..
غير أن مما يؤسف له ويحز في النفس أن نرى من مستجدات هذا الزمن الذي عم فيه الخير ورغد العيش في بلادنا تغيراً في سلوك الناس بشأن الاستعداد لشهر رمضان - إلاّ من رحم ربك - فقد أخذ الاستعداد لرمضان أشكالاً أخرى لا تعين على العبادة ولا تتعلق بها، بل ربما أن في الكثير منها صد للنفوس عن التزود من أعمال الخير، وعصيان لمن أنعم على المخلوقين بهذه النعم التي لم يعرفها آباؤهم وأجدادهم..
لقد أخذ الاستعداد لرمضان أشكالاً جديدة، وتمخض عن سلوكيات خطيرة، فالقنوات الفضائية تتسابق في عرض أحدث ما لديها من الأفلام والمسلسلات، والسهرات الفنية الغنائية، والمسابقات والفوازير الموجهة للكبار والصغار، ولا حاجة للقول بأن معظم تلك البرامج والفقرات لا تأخذ في حسبانها الحد الأدنى من مراعاة الآداب الإسلامية والأخلاق الرمضانية..
أما مؤسسات التسلية والترفيه فتجعل من رمضان موسماً تجارياً؛ فتكثف من إعلاناتها الدعائية وتزيد من برامجها الترفيهية، وتفتح أبوابها من بعد صلاة المغرب إلى قبيل صلاة الفجر، وكأن وظيفتها إلهاء الناس عن التهجد وإشغالهم عن التعبد في ليالي رمضان..
أما الأسواق التجارية ومحلات بيع السلع الغذائية والكمالية فإنها تستعد لرمضان على طريقتها الخاصة، وكأنه موسم تجاري استهلاكي لا موسم تعبد وتبتل إلى الله عز وجل، فنراها تباشر الاستعداد لرمضان قبل حلوله بتكثيف دعاياتها التجارية، وتزيين الشوارع وواجهات المحلات بصور أنواع المأكولات والمشروبات الرمضانية، وتزرع في نفوس الدهماء ارتباط تلك المأكولات والمشروبات بشهر رمضان الكريم حتى تحيلها مع مرور الوقت إلى مواد لا يكتمل الصوم دون وجودها على الموائد الرمضانية!
لقد نتج عن تلك الاستعدادات المختلفة عن استعدادات السلف مخاطر وسلبيات كبيرة، فمنها تحويل شهر رمضان إلى موسم للهو واللعب وإنتاج المسلسلات وحفلات الطرب غير المحتشمة، ومنها إشغال عباد الله عن الهدف الأسمى لشهر الصوم المبارك، وإحياء ليلهم بالنظر إلى المحرمات وسفاسف الأمور، وقضاء نهارهم بالنوم المتواصل والانقطاع عن العمل وعن الذكر وعن الصلاة للسواد الأعظم من الناس وخصوصاً الناشئة.. ومنها تحويل رمضان إلى شهر للاستهلاك في كل شيء، والإسراف في المأكل والمشرب، وتبذير المال في التسوق والإنفاق على غير الضروريات..
لقد كان الصوم في السابق يهدف إلى تحقيق أمور كثيرة منها تعويد النفس على الجوع والعطش، وإراحة المعدة من كثرة الأكل لما في ذلك من الصحة لقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا تصحوا)، لكن الأمر الآن انقلب إلى زيادة في الأكل والوزن تخرج الصوم عن واحدة من أهم الحكم المرادة منه..
إن السنن السيئة لا تعود على المجتمع إلاّ بنتائج سيئة وعواقب وخيمة..
فهل يتنبه العقلاء إلى خطورة الأمر، وهل تراجع الأمة نفسها، وتحذر عقوبة ربها، لماذا لا يخصص شهر رمضان للعبادة كما شرعه الله، ويخصص للأمور الأخرى مواسم أخرى إذا كان لا بد للشر من مواسم؟.