أدعي بكل اطمئنان أني أدركت ثلاثة حقب أساسية من حياة المجتمع السعودي: حقبة السبعينيات التي استيقظ وعيي فيها، ثم حقبة الثمانينيات والتسعينات المشحونة بالتوتر الديني، والآن نعيش حقبة الألفين أو ما بعد الحادي عشر من سبتمبر إذا أردنا الدقة. لن أنفي أبداً أن العالم تغير خلال السنوات الثلاثين الماضية ولكن حجم التغير وطبيعة التغير موضع جدل لن يحسم بسهولة. في فترة السبعينيات كانت الرياض بكل أحيائها لا تعادل - حجما وسكانا- حي النسيم وحده أو أي حي من أحياء الرياض الجديدة. كما أن أحياء الرياض في تلك الفترة مجتمعة كانت أكثر انسجاما في نوع السكان وعادات الناس من حي واحد من أحياء الرياض الجديدة, والوضع الاقتصادي في ذلك الحين يختلف كثيرا عنه الآن. عادات سكان النسيم مثلا تختلف عن عادات سكان ظهرة البديعة. وهذا ما ستلاحظه على بقية الأحياء. عندما أقرأ الحقب الثلاث لا أرى تغيرا في أخلاق الناس إلا بقدر التغير في عاداتهم.
أما المغازل بالبلوتوث والتشات وغيرها من الوسائل الحديثة فهي تغير في الوسائل وليس في الممارسات فالمغازل ومطاردة الطرف للطرف للآخر بدأت مع بدء الخليقة ولن تنتهي إلا مع نهايتها. ولولا هذا الشوق المتبادل لما وجدنا جميعا. حسب ما أتذكر كان المغازل في السبعينيات بالطلطلة من الباب ثم بالرسائل المكتوبة ثم بالتلفون الآلى (أبكو) عندما دخل البيوت. لا شك أن بعضنا شده الحنين لمونولوج سعد خضر (من ذا بيته). إن تغير الأساليب لا يعني تغير الأخلاق, أما السجون والمخدرات وحالات الاغتصاب فهي موجودة ولم يتغير سوى وسائل إيصال أخبارها للناس. إذا كان عدد الجرائم زاد فعدد الناس زاد وأصبحنا نعيش أكثر من مجتمع, الرياض القديمة المنزوية في شارع العطايف والظهيرة ودخنة انتهت. لديك اليوم أحياء اسمها سلطانة، الظهرة، العليا، الخ يسكنها أخلاط من البشر. عندما ننظر للأمور علينا أن نترك التهويل ونكبر عقولنا عندئذ سنرى أن عالم القرية انتهى إلى الأبد وأخلاق القرية في زوال سريع وما نراه من اختلافات هو اختلاف في العادات بين سكان حي وآخر وليس انهيارا في الأخلاق.
ما أحدثته التكنولوجيا وحرية الاختيار بين القنوات وحرية الصحافة أنها كشفت طبيعة الناس المخبأة والمنافقة. العتب على الناس وليس على التكنولوجيا والمسلسلات والحرية. الأخلاق هي التي تحكم التكنولوجيا وليست التكنولوجيا والمسلسلات هي التي تحكم أخلاق الناس.
لماذا لم يسأل هؤلاء الهوالين أين ذهبت قبضتهم الحديدية على عقول الناس في فترة التسعينيات والثمانينيات. لماذا لم تصمد مئات الألوف من الفتاوى الملفوفة بجلد الثعبان الأقرع أمام مسلسل تافه. لماذا ترك الناس الثعبان الأقرع بفحيحه المتواصل وتراكضوا على تركيا لمشاهدة القصر الذي اشتعلت فيه غراميات مهند ونور. الذين يربطون أخلاق المرأة بالعباءة على الرأس أو على الكتف أو بقليل من الزخرفة التجميلية على طرف العباءة أو بالعباءة نفسها لا شك سوف يصابون بالرعب عندما يتعرض الناس لبعض المشاهد السخيفة أو المسيئة. الأخلاق الحميدة مكانها قلب مليء بالثقة لا قلب مرعوب بتهاويل الثعبان الأقرع.
yara.bakeet@gmail.com