لا شك أن الثراء حالة اجتماعية تميز فرداً من أفراد المجتمع عن غيره، وتضع له مكانة مرموقة وذلك بفضل الله وحده وتهيئة الأسباب التي صنعت هذا الثرى، وعرفها المجتمع، وشكلتها الظروف، وتعارف عليها الناس. ولا شك أن للأغنياء والأثرياء مقاماً رفيعاً فرضه الوضع المادي لهذا الثري أو ذاك الغني.
ويوجد في بلادنا عدد كبير من الأثرياء وأنصافهم وأرباعهم وأشباههم وكل على مختلف أحجام أرصدتهم، وتراوح ممتلكاتهم، وتنوع أنشطتهم وتجارتهم. وهؤلاء الأغنياء ينتمون إلى عائلات معروفة أو عرفت من خلال هذا الثراء وكثير منهم لهم جهود واضحة أو غير ظاهرة في إبراز أسمائهم وتسجيلها في قوائم التحدي والمنافسة والتفوق المالي. كثير منهم اليوم يغتم للدنيا وحطامها جعلوها همهم يبيتون ويصبحون على التفكير فيها وفي عماراتها، ملأت قلوبهم وعقولهم، انهمكوا في طلب الدنيا حتى نسي بعضهم واجباته تجاه الله عز وجل، واختلط عندهم مفهوم الغنى وغاب عنهم فهم الحياة الطيبة، وفهم الغنى الحقيقي، كما جاء في الحديث ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس.
ولا شك أن الناس يحتاجون إلى الأغنياء فهم مسخرون لغيرهم فكم من الأغنياء نفع فقيراً من خلال بناء مؤسسة أو شركة أو جعله يسهم في نشاط تجاري ما. فالله عز وجل جعل البشر مسخرين لبعضهم وذلك من خلال مساعدتهم والوقوف معهم وتفريج كرباتهم. والناس إن احتاجوا للأغنياء فهم يحتاجون إلى أغنياء الإيمان الذين يملكون الإيمان والتقوى والعلم والخير ويبذلون بسخاء، ويعطون بنقاء ولا نحتاج إلى أغنياء مغلقين على ذواتهم وأنفسهم وأحوالهم دون منفعة ولا نريدهم يغلّون أيديهم إلى أعناقهم هذه حقيقة الغنى والفقر، فكم من قلوب فقيرة أصحابها يملكون أصناف الأموال، فهم أغنياء في الظاهر فقراء في الباطن، وكم من قلوب غنية أصحابها لا يملكون إلا القليل.إن معنى الغنى الحقيقي يغيب عن كثير من هؤلاء الأثرياء وأنصافهم فيظنون المعنى للغنى أنه جمع الأموال والتنافس بأي طريقة مشروعة وغير مشروعة لزيادة الأرصدة وتحسين مواقعهم على قوائم الأغنياء فيسعون له في كل سبيل ويستخدمون أي وسيلة دون تبصر ولا تمعّن ولا ترقّب ولا تفكّر ولا تدبّر.
ما جعلني أكتب مقالي حول موضوع الغنى هو ملاحظة أن كثيراً من هؤلاء الأغنياء في بلادنا يبتعدون عن مساعدة من حولهم خصوصاً أقاربهم المحتاجين ولا يتلمسون حوائج الأسر التي يرتبطون بها أو ينتسبون لها أو يحملون لقب عائلتها فكم من الأغنياء تجده عالي الثراء وتجد في نفس عائلته ومن يقرب وينتسب له محتاجاً أو فقيراً، أو صاحب دين، أو يحتاج المساعدة في زواج أو تجد فيهم الأرملة، أو المطلقة، أو الشاب العاطل. ثم بعد ذلك تجد هذا الغني أو نصف الغني أو ربعه يقف متصنماً لا يرى شيئاً ولا يحس بمن حوله ولا يتلمس الخير والمنفعة لأقربائه. وهنا حقيقة يبين الفقر الحقيقي على الرغم من وجود المال.. فكم من هؤلاء الأغنياء يجهل فلا يحاول أن يكلف نفسه أن يبحث، ويتقصى، ويتحرى عن كل محتاج قريب لا أقول بعيد أقول قريب أخ، أو أخت، أو عم، أو خال وغيرهم من أهله. وكم من هؤلاء الأغنياء لا يفكر أساساً في أن يبادر بالمساعدة فما بالكم بالعطية والهبة!! وكم من الأغنياء يغيب عن قلبه وعقله وإيمانه أن ماله ليس ملك له بل هو موكول به أن يصرفه في أوجه الخير والعطاء والكرم.إن هذا الموضوع من القضايا المهمة في مجتمعنا ويحتاج الغني أو أنصاف الأغنياء أو كبير الأسرة المقتدر، أو القادر على الأنفاق أن يبحث ويتحرى وأن يتق الله في أقربائه وحتى عامة الناس المحتاجين والفقراء وأصحاب الكربة، وأن يرفع من شأنهم وحاجتهم كما رفع الله الكريم رصيد أمواله وأن يتلمس حاجة المحتاجين من الخاصة وألا يكابر في الصدود ويواجههم بالجحود والنبذ والطرد إن أتوه محتاجين. وعلى العقلاء الباحثين عن الأجر والثواب في الأسر المختلفة والذين لا يستطيعون المساعدة المالية أو المادية عليهم جهد وعمل كبير في أن يرشدوا هؤلاء الأغنياء من أسرهم إلى المحتاج من تلك الأسرة وأن يدلوا الغني على حاجة أحدهم إن كانت دين، أو فاقة أو توظيف، أو إعانة، أو تفريج كربة.آخر القول.. لا لوم على أحد في أن يكتسب معاشا وأن يعمل بل قد يكون مأجورا في ذلك عند إخلاصه القصد وتصفية النية ونقاء الطريقة، يقول سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يحب المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته ويستغني به عن خلق ربه لكن لابد أن ينتبه كل قادر على عطاء المحتاج أن ماله لن ينفعه إلا مادام يصرفه في أوجه الخير ومنها الصرف والمساعدة والدعم للأقارب خصوصاً وعامة المحتاجين من المسلمين يقول عز وجل: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}(الإسراء 26).. ويقول تعالى { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (البقرة 215).. فلابد أن يراعي الله في ذلك وأن يهتم ويتحرى ويتأمل أحوال من حوله وأن يعلم أن عقوبة الله قد تحل به إذا منع وامتنع وهو يعلم أن هناك محتاجاً. كما أن المسألة بقدر ما هي إيمانية فيها جانب اجتماعي وهو من العار أن يكون غنياً ما من أسرة معروفة ويوجد بها محتاج يتطلب الناس أو يلجأ بعد الله إلى الغريب ومن المؤسف أن يذكر بالسوء غنياً لم يساعد فقيراً من أسرته أو أقاربه. وكم من الأشخاص يكون بائساً ومحطماً ومتضايقاً حين يحتاج لأمر ما وكبير العائلة أو الغني فيها لا يدعمه بل وقد يطرده أو لا يحس به. كما أن هناك جانباً على كل محتاج وهو أن يطرق باب قريبه الغني بلا استحياء؛ لأن الغني قد يكون كريماً وخيّراً لكن الحوائج لا تصله أو أنه لا يدري بسبب مشاغله. وليتذكّر كل غني كم من المحتاجين دعا بالرحمة والمغفرة لغني ساعدهم، وكم دعوا بالويل والثبور لمن أقفل بابه في وجوههم.
Azizz22@hotmail.com