Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/08/2008 G Issue 13114
الأحد 23 شعبان 1429   العدد  13114
غلاء الأسعار وسبيكة الطماطم
حمد عبد الرحمن المانع

اعتدنا في موجات الغلاء بأن يقتصر في بعض الأحيان على بعض السلع المعينة، ويكون بالتدريج، بمعنى أنّ النسبة، وأقصد نسبة الزيادة في السعر، لا تبدو مؤثرة، بل إنّ البعض لا يشعر بها إلاّ من يدقِّق في الأسعار، وإذا كانت موجات الغلاء وبكل أسف تعرف طريقها جيداً، ولا تضل الطريق، فإنّ موجات الرخص هي التي ضلت الطريق، بل إنّ هذه الموجة بلا تردد يعني (أنس الموضوع)، غير أنّ الملاحظ في الموجة الأخيرة هي القفزة غير المعتادة، فالغلاء نسبياً أمر لا مفر منه قياساً للمؤثرات، وخصوصاً القوة الاستهلاكية، وليست الشرائية، وهناك فرق، وهو ما سيكون محور حديثي لعل وسعى، ولعل القارئ الكريم سيعتقد أن خطأ مطبعياً في سعى بيْد أنه ليس كذلك، فالطماطم المجنونة جننتنا إلى درجة أني دخلت أحد محلات سوق الخضار وعوضاً عن سؤاله بكم صندوق الطماط، سألته بكم أونصة الطماط، لأنه والحالة هذه سيقترب من مؤشر أونصة الذهب، وهذه فكرة أن تهدي أم العيال (صندوق طماط) بدلاً من أسواره.

أعود لطلب المشكلة أو الموضوع، ولن أخوض في تحليل اقتصادي ينبني على فرضيات قد تخطئ وقد تصيب، وهي على كل حال توقعات في ضوء المعطيات، شأنها بذلك شأن الأرصاد الجوية. وأذكر قبل حوالي عقدين بأن سمعت نشرة الأحوال الجوية، وإذا بالمذيع يحدد كمية المطر بقوله وستنزل حبيبات صغيرة من المطر، إلاّ أنّ المطر انهمر وأوشك أن يغرق المدينة، اعذروني على (المخرج) ولكن ماذا عساي أن أفعل وأنا ماسك كيسة ليمون أبو زهيرة، وأطبطب عليها بل وأسمي عليها، والمشكلة أنك لا تستطيع أن تطبق عليه المثل القائل (من تغلى يخلى لو هو بالحيل غالي) .. أعود للمعضلة التي ما برحت تنفض الجيوب والقلوب، وأدرك بأنّ تغيير النمط الاستهلاكي، وهذا أحد الحلول، ليس بالأمر الهين لا سيما أن الشهية لا تتعامل مع الحرمان بقياس العقل، بل بقياس العاطفة، وأكبر دليل على ذلك هو تفشي السمنة وتكدس الفائض في كل شيء، وليست الأطعمة فقط، فلو قمت بمسح للمستودعات، طبعاً نضفي عليها لقب مستودعات ونلمحها وهي في الحقيقة، بيت الدرج، ستجد أجهزة صالحة للاستعمال وبأحسن حالاتها، بل ولم تستعمل إلا فترات بسيطة، وربما تكون بحاجة فقط إلى صيانة خفيفة، أو فيوز، طبعاً الأب لا يستطيع مواجهة الضغط الأسري بدءاً من أصغر واحد ووصولاً إلى أم العيال، والمشكلة الخطيرة فعلاً، تتمثل في عدم قناعة الأولاد بالتصليح، فمجرد أن يتعطل الجهاز، فإنه يركله إلى المستودع أو تحت الدرج، وحذار أن تناقشه بمسألة التصليح لأنك ستلقى سيلاً من التهم، وأعنفها إن لم تكن الأعنف تهمة البخل. إنّ الوعي الاستهلاكي بمفهومه الشامل يعد حجر الأساس في علاج كثير من الأمور لا سيما الاقتصادية وبدون تعاون المدرسة في غرس هذا المفهوم، فإننا سنظل مكانك سر، وستستمر موجة الغلاء الباردة والساخنة في قض مضاجع الآباء والأمهات، وقد كتبت مقالاً قبل خمس سنوات وكان عنوانه (وفق رؤية مستقبلية الترشيد ضرورة حتمية) والمقال باين من عنوانه، وأكدت في ذلك بضرورة إدراج مسألة الترشيد ضمن المناهج الدراسية، المشكلة بأننا لا نتعامل مع التوقعات بموضوعية، ولا تؤخذ بعين الاعتبار، فإذا وقعت المشاكل التفتنا يميناً وشمالاً وأشبعنا الحالة تنظيراً، وما أن تهدأ هذه الحالة حتى نفاجأ بأخرى، حينما يغيب عنصر الإحاطة بالابعاد وفق استقراء المستقبل في ضوء المعطيات والإعداد السليم لتأمين سبل المعالجة، من خلال قراءة المستقبل، وهذا بدوره يحيلنا إلى ضرورة إنشاء إدارة مستقلة لدراسة الأزمات، فالأزمة أي أزمة كانت لا تستأذن في الدخول، وإذا كان الوضع الحالي يخلو منها، فإنّ المستقبل وعلمه عند الله يخبئ الكثير، والوقاية خير من العلاج، إن المتابعة المستمرة والرصد الدقيق، يؤدي بالتالي إلى فرز النتائج، ومن ثم فإنّ الحلول لهذه الأزمة أو تلك، ستكون متوافرة طبقاً للقراءة المستقبلية والتي تبني في ضوء التحليلات المستفيضة على جميع الأصعدة، وأدرك تماماً بأن إدارة كتلك ستكون بحاجة إلى الدعم، غير أنّ الدعم الحالي سيختزل دعماً أكبر، ويسهم في ترشيد الإنفاق في هذه الناحية، فضلاً عن الاستعداد المعنوي المحفز لعلاج مختلف الحالات الطارئة، بل إنّ بعض الحلول تتطلب استدامة في تطبيق الرؤى في ظل التوجيهات الرامية إلى تحقيق الاستقرار والمحافظة عليه، وعلى سبيل المثال (الوعي الاستهلاكي) أو (الترشيد)، أي أن بعض البرامج التي ستطرح لن تكلف مالاً بقدر ما تؤخذ بعين الاعتبار ويتم تفعيلها، والعمل بموجبها والأمثلة كثيرة، انظر إلى الأبعد لكي تؤمّن لخطواتك سلامة السير وتجنُّب التعثُّر .. ولكم تحياتي.



hamad@asas-re.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد